في هيبةٍ قدسيّةٍ

أن تحمل الشعلة. هذه والله ليست مهمةً سهلة.

أن تعرف أن هذه الشعلة، هذه الراية، تستحق أن تُحمل. تستحق أن تظل مرفوعة. حتى لو تصبب العرق على عينيك، حتى لو احترقت عضلات يديك، حتى لو نال التعب منك كل منال.

أحمل شعلتي الخاصة. أحملها لنفسي أولاً، إذ ماذا تكون الحياة بدون أن تجد معناك؟

بالأمس مررت على كورنيش جدة عندما اقتربت الساعة من الثانية عشرة ظهراً. الجو حار حتى مع وعود أكتوبر الآفل، ومع تكييف السيارة. لازالت المقاعد تستقبل أشعة الشمس من كل زجاجٍ متاح. وفي عز الحر، وعز ظهيرة يوم الأسبوع المشغول، رأيت رجلاً في أربعيناته ربما، يصلّي لجهة الغرب، ووراءه البحر.

وفكرت. ماذا لو كان هذا الشخص- خيالاً لا حقيقة- لديه ما يكفيه من الدنيا، ولا يحتاج لعمل. كل ما يفعله في أيامه هو الذهاب إلى البحر وقت الظهيرة، ويتعبد الله هناك. هل هذه حياةٌ قيّمة؟

ألم يخلق الله الجن والإنس ليعبدوه؟ ألا يكون هذا المُتخيّل، قد استوفى معنى وجوده على هذه الأرض؟

وبعيداً عن مدى اتفاقك، أو اختلافك، مع شرعية هذا السيناريو، هل هذه حياةٌ تكفيك؟

إن التقى فيها المعنى العام لوجودنا كمخلوقات في هذا الكون، لعبادة رب الأكوان، مع معناي الخاص، فهي تكفي وتزيد. بل وتملئ البحور.

ما الذي أعنيه بالمعنى الخاص؟ القصة التي تتفق فيها مع ذاتك. الحقائق التي تبعث في داخلك السكينة والرضا، بل والمتعة. قوتك كإنسان، ضعفك كإنسان. بصمتك الشخصية التي لا يشاركك في دقتها أحد. تأتي بقلبك السليم، وتمارس العبادة بأن تكون أنت.

وتحمل الشعلة.

قد تكون هذه الشعلة إقامة بيت على التقوى. تربية الأبناء على الصلاح والدعم. تأليف الكتب. نقل العلم. إطعام الطعام. إغاثة الملهوف روحاً وعقلاً.

اليوم أحمل شعلتي وأصعد الجبل.

استيقظت فجراً، وكنت متأهبة منذ الأمس وقمة الجبل تلوح لي. استعنت بالله.. هل استعنت به حقاً؟ ربما كان ينبغي علي أن أستعين أكثر. قرأت أورادي وعدت لسورة مريم. لم أوجّه النيّة ولم أطيّب الخاطر الذي- من سابق تجارب- سيصاب ببعض الجروح في الطريق.

مضيت في مشواري، عقبةً وراء عقبة. ومع كل عقبة، ترتجف يداي، أفقد ذراتٍ قليلة، ولكن مؤثرة، من إيماني بجدارتي لحمل هذه الشعلة. أذّن الظهر وقد قمت بما يمكنني القيام به لليوم. بقية النهار بات للرد على الإيميلات، بداية المرحلة الثانية والأخيرة من مشروعٍ قائم. كأس من عصير المانجا الطازج، وتذكير بأن الرحلة ليست فقط صعوداً للجبال، بل فيها الواحات الخضر والبحيرات الزرقاء الرقراقة.

اليوم أحمل شعلتي وأحترق. غداً أظلل شعلتي بينما تظل- آملةً- تشتعل.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s