نجمة في السقف

عندما انتقلت إلى بيتنا قبل سنوات عديدة، احتلت سقف غرفتي نجفتان من أقبح ما صنعه الإنسان. وكانت المهمة الأولى بالنسبة لي هي شراء بدائل لهما.

ابتعت البديل، وأتى الكهربائي الماهر الذي أعتمد عليه في كل شيء- رحمه الله- ليركبهما. بدأ بالأولى. ولسبب مجهول لا أعرفه حتى اليوم، قرر أن عملية التركيب خطرة، وأن عليه أن يأتي بشيء ما لتتم بسلام.

لم يأتِ الشيء، ولسبب مجهول هذه المرة من ناحيتي، قررت ألا أطارده. بل تخلصت من البدائل الجديدة ذات التصميم الألترا مودرن. وتعايشت مع أصحاب الدار. هكذا بتّ أسمّيهما. ونشأت علاقة متينة، حميمة، متفاهمة، بيني وبينهما.

هل هي مصابيح من القرون الوسطى الأوروبية؟ هل شهدت فتح طارق بن زياد للأندلس؟ هل صنعها حرفي في فينيسيا في القرن الثامن عشر الميلادي؟ هل كانت أول أدوات الإنارة الكهربائية التي وصلت لميناء جدة بعد انضمامها للمملكة؟ هل هي طفرة من طفرات الثمانينيات المجنونة؟

لا أعرف. ما أعرفه اليوم، وفاتني في الأيام الأولى لتعارفنا، هو أن القديم له مكانه. له هيبته. له ضروريته.

كنت لفترة طويلة أحب أغنية فيروز ” بعدك على بالي” ليس للحنها ولا لصوت فيروز، بل لعبارة فيها. عندما تقول ” يا ذهب الغاليين”. هذه السنة اكتشفت أنها تقول ” يا ذهب الغالي”، ولكن لا بأس، يظل المعنى العبقري الأول ملفتاً كما كان. عندما يحتاج الذهب أن تعود ملكيته ” للغاليين” كي يصبح جديراً بالذكر. أن نحكم على الأشياء، كل الأشياء، بمعانيها، وليس بما يظهر لنا من سماتها الفيزيائية.

قبل أيام قليلة احتجت لنزع واحدة من النجفتين لعمل إصلاحات ضرورية في السقف. تقبع النجفة من عليائها على الأرض. تبدو كما أنها تراقبني، بينما أراقبها وأوجّه لها موجات الحب الواحدة تلو الأخرى. تذكرني بإن الجمال قصة أصنعها في خيالي، وتتحكم فيها معانٍ أهم من حقيقتها المجردة. معانٍ مثل التعوّد والعشرة، المعدن الأصيل والقيام بالواجب كما ينبغي أن يِقام به. لم تخذلني إحداهما مرة، أليس في هذا جمال يتفوق على كل ما عداه؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s