اثنا عشر خريفاً

عندما انتقلت أسرتي إلى بيتنا الحالي، كانت هناك نخلة واحدة في حوض الزرع الداخلي المجاور للباب الرئيسي. وقرر والدي أن يأتي بخمس نخلات إضافية.

وقتها- قبل أكثر من خمسة عشر سنة- لم أولِ الأمر اهتماماً أبداً. هواية مسلّية لوالدي أصادفه منهمك في تفاصيلها مع الزرّاع المُستأجَرين عند خروجي ودخولي. كل مرة هناك مهمّة: تنظيف الأسعف. تشذيبها، الفعل الذي لا أعرف اسمه، والذي ينطوي على تفاصيل إثمارها.

قبل سنوات قليلة، ربما ٤ سنوات على ما أذكر، بدأت ألاحظ ثقة والدي المتزايدة في الترويج للخريف القادم من نخلنا. أصلاً قبل ذلك كنت أظن أن ثمرها غير صالح للأكل، لأنه لا يبدو لي كالخريف المعتاد.

في رمضان ماضي، بتّ أرى على السفرة ” الرُطب” بكميات أكبر مما تعودت عليه، ثم أرى حافظات بلاستيكية ممتلئة به طالعة نازلة من بيتنا. وبالصدفة عرفت أن الرطب من نتاج نخل البيت، ولكني أيضاً لم ألتفت أبداً لهذه المعرفة العابرة.

بعدها بوقت لا بأس به كنت أدردش مع قريبتي، ثم اكتشفت أنها لسنوات تستقبل صناديق التمر من بيتنا. ولما عدت للمنزل واستفهمت عن الحكاية، عرفت أن الصناديق تُرسل، بحمد من الله ومنّته، لأكثر من عشرين بيت من الأقارب والأصدقاء.

النخل الذي لم يكن يطرح، طرح. والنخلات الجديدة تطرح أيضاً. والطرح الذي لم يكن طيباً كثيراً، بات مع الرعاية المتراكمة من أطيب ما يكون. والـ” خِيل” الواحد، وهو العنقود الواحد من طرح النخلة صار كثيفاً وأغلبه بجودة ممتازة. وأن النخلات تقدم من ٤ لـ٦ خيلات (لا أظن أن الجمع صحيح لغةً أو اصطلاحاً). النخلات المعطاءة، بفضل الله، تطرح ١٣ خيلً في السنة.

يُقال لي أن أهل بيتي، حفظهم الله، يعدّون كيك التمر من تمر البيت. وأنهم يرسلوه لأعزّاء، منهم قريبتي التي تجاوزت المئة ولازالت حفظها الله محتفظة بذاكرتها، تتصل في كل مرة تسهب في الشكر والثناء على محصول التمر، ولكنها تحب كعكه أكثر.

خالد الشيخ يغنّي ” أنت البعيد أنت. وأنت القريب أنت”. وأنا أكتب عن النخل، والسماء، واليدّ الهادئة الصبور التي ترى معاني الربيع في الخريف، وفي الصيف، وفي الشتاء.

6 رأي حول “اثنا عشر خريفاً”

  1. شيء رائع أن يكون لديكم شجر مثمر في البيت تستفيدوا منه ويستفيد منه أقربائكم.
    ومن الغريب أنك لم تعرفي أن كل هذا المحصول من البيت، كيف حُصد سراً!
    عملية تلقيح النخل للإثمار تُسمى تأبير كما في الحديث المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال أن التأبير لا يُغنى شيئاً، ثم عاد وقال إنما ظننت ظناً ..

    إعجاب

    1. لا لم يُحصد سراً 😊 هناك مطبخ خارجي في المنزل لا أمر عليه دائماً تحصل فيه هالترتيبات. وشكراً على الإحالة للحديث الشريف. جزاك الله خيراً.

      إعجاب

أضف تعليق