النسيم ثقيل هذه الليلة.
لست متأكدة من حيادية هذه الملاحظة. هل هو ثقيل بالفعل، أم أنها بتأثير مشواري القصير في الظهيرة المتأخرة، وشعوري بأن رطوبة جدّة تحتل كل ذرات الهواء لدرجة تمنعني من التنفس الحُر.
أفتح نافذتي التي جدّدتها مؤخراً وتجددت معها ليلاتي. المبانِ المتتابعة تظهر لي من بعيد وكأنها جبال تتلوها جبال. أختار أن أصدّق السراب وأنكر أن الجبال هي مبانِ المدرسة الابتدائية المواجهة لمنزلي.
أجري بعضاً من الهاوس-كيبنج. الحرفي والمجازي. بياضات الغرفة- والشكر لأساتذتنا المصريين في ابتكارهم لسياقات الحياة اليومية بالفصحى- تتراكم في سلة الثياب المكوية.
هناك أيضاً سلّة من الثياب الجديدة التي لا تحتاج للغسيل بل للكي، واستسلمت أخيراً لمطالبها بأن تذهب للمغسلة بدل أن أطلب من العاملة كيّها وهي جديدة لست متأكدة على قدرتها على التعامل مع الأقمشة المختلفة. أرفع رأسي، وأنا أجلس على أرضية الغرفة، لأشاهد المنظر من الشباك المرتفع. نور الأباجورة يضيء المكان، وعبدالحليم، من قارب ما على نهرٍ ما، يغنّي: وهوّ حبيبي. وهوّ.. نصيبي، وهو النور لعنيّ وقلبي.
هذه الليلة أفكر في الاكتفاء. وأفكر في المواقف المتكررة التي تتطلب حضوراً ذهنياً متكرراً. وأفكر أيضاً- في القلب والروح متّسع- في العمر اللي مرّ، واللي- في خير ولطف وعافية- لسه سيمر. ياما خلّى أشياء كانت أصعب ما يكون، طيّبة ومُيسّرة وفيها جمال.
أعود لسمَري لوحدي، وبياضاتي وثيابي، والشباك المفتوح، والنسيم الثقيل وعبدالحليم.