اليوم هو يوم جيّد.
أرد على رسائل العمل وأنا أستمع للست شفيقة، التي ظهرت لي فجأة من متابعتي للتايم اللاين المصري، وهي تقول أنها ” زعلانة منك الليلا دي“.
لا أعرف شيئاً عن الست شفيقة عدا أن شلَة المصريين الذين أتابعهم- من مواليد التسعينات يبدو، وهم شلّة طيبة- يتعاملون معها كملاذ. كفنّ غائب يعودون إليه بعد السفر. أو يعود إليهم الله أعلم. كلما ظهرت لي أغنية لها ذهبت واشتريتها وعوّدت سمعي عليها. ولا أريد أن أعرف أي شيء عنها. من هي؟ هل هي مطربة أفراح؟ في أي الفترات ظهرت (ثمانينيات؟) توفّيت أم على قيد الحياة؟ أسئلة كهذه تخطر لي، لابد تخطر، ولكني أستمتع بمرحلة الظل. لازلت في ظلام خفيف. وسيأتي وقت أعرف الإجابات وأنتقل للنور.
قبل ساعة تركت الشاشة مفتوحة على شيء بصري وصلني متعوب عليه، لأني ماكنت قادرة أحكم على جماله. ممتاز؟ أكثر من ممتاز. جميل؟ ما أعرف. استرخيت على كرسي، غمضت عيوني، وسمعت لقائمة موسيقية أحبها وتركت لأفكاري الحبل على الغارب لأجدها لا تريد الذهاب لأي مكان عدا أن تظل سرحة برحة في مكاني معي.
ثم خطر ببالي أن:
هذا الجمال يحتاج لشرخ.
العرض الذي وصلني جميل أكثر من اللازم. مرتب أكثر من اللازم. كأنه رسومات حالمة لغيم في السماء. والإنسان، ساعات، يبغى قطة منفوشة الشعر تجري فجأة، أو سيدة بثوب مشجّر عاصبة الرأس تغسل الأرضية وهي تهمهم غاضبة بما لا تفهمه، لكنك تحذر من الاقتراب بسببه.
قبل سنوات طويلة قرأت في كتاب ” Made to Stick” أن المفاجأة (كعاطفة) يمكن هندستها. ضع نمطاً متكررا واستمر عليه. مرة اثنين ثلاثة أربعــبوووووم اكسره. دمعة دمعتين ثلاثة ثم ضحكة. أو ضحكة ضحكتين ثلاثة ثم دمعة.
بالأمس كنت أتحدث مع عميلي عن فلان. رسام نعرفه كلنا تقريباً ممن نتابع المشهد التصميمي الحالي. أرسل لي العميل عرضاً مُلفتاً لشركة فرنسية قال إنه معجب جداً به. بداية الملف- وهو لشركة في قطاع أبعد مايكون عن الفن الحالم- رسوم مائية لمشاهد طبيعية. قلت له أن فلان، رسامنا الذي نحبه، يقدر يعمل لنا شغل مثل هذا. ثم قلت: هو مش أشطر فنان تكنكال، لكنه أحسن أحد ممكن تستعين به. في نفس اللحظة التي فتح فيها العميل حساب فلان على إنستجرام وقال بهدوء: أوه.
هذا الجمال جمال بشروخ.
في الفلسفة اليابانية مفهوم ” الوابي سابي“، ولأنني ضيقة الأفق أحياناً، فلا يروق لي أن أقرأ أكثر عنه من طرفهم، ولكنه يشبه هذه الفكرة، أو ربما هذه الفكرة أتت منه.
ربما ينتمي هذا- غالباً- إلى الذوق والتفضيلات الشخصية. أحب الكيك بطبقات. أحب القصص بطبقات. أحب أن يكون للجمال أبعاد. عمارة، أصعد أدوارها واحداً تلو الآخر.
عاد ممكن بالراحة الأبعاد التي أراها أنا، تراها أنت خطاً واحداً لا تفريع أو تفاريغ فيه. هذا أمر آخر. يتعلق بحصيلتي وحصيلتك من المشاهد والأشياء. كل الأشياء. أجد، مثلاً، أن المغنين ممن انتقلوا للمسرح الغنائي بعد خلفية إنشادية ينتجون أغانٍ فيها محدودية في الطرح الموسيقي. كنت في البداية أفكر أنها أغانٍ ” أطفالية”. حمود الخضر مثلاً في ألبومه القريب إلى قلبي (أصير أحسن)، الكلمات والألحان لطيفة وودودة، لكنها مُباشِرة أكثر مما أودّ للفن الذي أستهلكه أن يكون. ما فيها لفّات ولا دخلات ولا أزقّة وحواري. ثم خطر ببالي أن من تربى على النشيد- والله أعلم- حصيلته من العمق الموسيقي قد تكون محدودة. وربما في هذا الخير.
صارت الساعة ستالمغرب. بصوت حياة الفهد في خالتي قماشة. هل تتوقعين أن أجد ساعة إضافية لإنهاء عمل اليوم، أم على العمل السلام؟
عطلة أسبوعية سعيدة.