إليسا تغني من ألبوم ” تصدّق بمين” أغانٍ أسمعها لأول مرة.
من شباك المطبخ تأتي غيمة أو غيمتين. أقمّر رغيف العيش في فطور متأخر. وأفكر في المعارك التي خضّتها وتلك التي لم أخضْ.
اليوم صباحاً كان عندي حديثٌ أثقلَ مسائي بالأمس انتظاره. كلما مرّت ساعة تصاعد غضبي كمنسوب مياه سدٍ ما، يهدأ بالنفس العميق، وبتذكّر حكمة صديقتي وتناولها للأمور، وبأنني، لو خيّروني، أختار سياسة النفس الطويل.
عدّت الساعة اثطنعش وأنا أظن أنها لازالت التاسعة. موجات المدّ والجزر تمنع عني هدوء النوم. ألهمني ربي أن أتخلّى عن فكرة النوم من الأساس. أجلس على كرسيّ المفضّل، أشاهد حلقةً ونصف من مسلسل عزيز علي أعيده للمرة الثالثة ربما. أنهيت المسلسل. قرأت وردي الذي تأخرت عنه كثيراً. لازالت مشاعري مضطرمة. أمسكت المسبحة وصلّيت على النبي حتى سقطت من بين يدي.
استيقطت قبل موعدي بساعات. لم أرغب في الفطور. ولم تكن لدي سياسة واضحة في تناول موقفي. كل ما كنت أريده هو أن يرشدني ربي إلى استبدال الغضب بشيء طيّب آخر. الغضب يفقدك السيطرة على الموقف، خصوصا وهو يشعرك أنك في قمّة السيطرة على الموقف. يدير رأسك. يملأ حواسك. يتدفّق في عروقك ويشعرك بنشوة هبّ الريح. وبعدها تنظر إلى ماكسبته، إن كسبته، وتسأل نفسك: هل كنت ستحصل عليه دون أن تشبع الطرف الآخر لكماً؟
ولو كان الطرف الآخر يستحق- أستعير التعبير من أختي العزيزة- ” الدعس”. الأمر لا يتعلق به. يتعلق بك.
أجلس الآن بعد انتهاء الحديث بساعتين. على يميني صحن ساندويتش التونة. سرّ الساندويتشه، لمن يميل إلى الحادق، هو ملعقة من الشطة وقطع متناهية الصغر من مخلل خيار أورينت جاردنز. أكتب التدوينة على سبيل ترتيب الأوراق، ومشاركة الرفقة والأنس بضيوف الصالة الصغيرة. كيف دار الحديث؟ وجدت نفسي أسأل أسئلة واضحة بدون أجندة خلفها. خلينا نفهم ايش يبغى؟ وعندما أجيبت الأسئلة بأمور يتصاعد لأجلها الدم إلى رأسي آخذ نفس عميق وأذكر نفسي أن هذه رؤية الشخص صاحب الإجابات، هذه أفكاره عن الحياة والعالم والناس، وأنا مالي فيها؟ خليه. كل ما في الأمر أنني لست ملزمة بالاتساق معها.
لكن الأمر لم يتوقف إلى هنا. في لحظة ما كشفت عن إنسانيتي. قلت أن الأمور ليست على ما يرام، وأن هذه الاعتقادات التي يحملها تناقض اعتقاداتي، وأني للفترة الماضية كنت أجد تسويات، لكني الآن أطلب منه أن يقدم هو تسويات مقابلة. هذا أمر لا أفضّله. حتى وأنا أكتبه الآن أشعر بأن أطرافي تثور عليه. هذه الإنسانية التي أحتفظ بها قريبة من قلبي، لا أزيح عنها الستار إلا لمن ” قلبي اختاره قلّه سراره“. وفي لحظة ما استجاب الطرف المقابل لهذه الإنسانية وتفاهم. ربما لأننا طيلة الشهور الماضية ندخل في جدالات لسبب ما- لا علاقة له بي- تشعره بتهديد أو شيء يشبه التهديد.
لم يكن اتجاهاً مفضّلا تسير به الأمور، لكني أظنه هو الصالح واستجابة استخارة الأمس. ربما هذه المرة الأولى التي أدخل فيها نقاشاً كهذا بهذه الطريقة. من الممكن جداً أن أقول نفس الكلام، بل هو المعتاد، لكن الآتتديود نفسه كان مختلفاً. كان قريباً من عنقي.
مِه.
لا أنصح به. إلا إن وجدت نفسك قد هُديتِ إليه.
على نصيحة والدة شير. الجدالات هذه لن تكون شيئاً مهماً بعد خمس سنوات من الآن. صحيح. لكن الرحلة التي أمر بها داخلياً وتمعّني في معانيها ستظل مهمة ولو بعد خمس سنوات. أو عشرة. إن أحيانا الله.
الساعة الآن ١٢:١٠. سأنشر هذه التدوينة وأعود لفطوري. العيش يبسّ وتقميرته صارت باردة. لابأس. أشعر بهدوء معقول. مقايضة عادلة.
يوم طيّب ونهاركم رفيق.