في أشياء كثيرة بيلومك العالم عليها، وكل مالها القائمة تكثر وتطول، واللوم ممكن يجيك من الحبايب اللي، بدون ما يعرفوا، ينضمّوا لمعسكر اللائمين بدل مايكونوا واقفين في صفّك.
بالأمس كنت أقرأ في كتاب قصير، قصير للغاية، قادتني الصدفة الحلوة لشواطئه. في آخره مرّت عبارة استوقفتني، أو أنقذتني وساعدتني، تقول: العار لا يكون إلا بموافقتك. لذلك تمرّد.
عندي القائمة التي يلومني العالم عليها. غالباً عندك أنت أيضاً قائمة تخصّك. لا علاقة لها بموقفك الأخلاقي، ولا بثبات مبادئك. بل باختياراتك، أو أقدارك، التي خرجت عن الوصفة التي يراها العالم مثالية في لحظة معينة، ثم ينقلب عليها في لحظة أخرى لامشكلة. زوجة وربة منزل. أم وموظفة. أو لست هذا ولا ذاك. غنية. فقيرة. نحيلة، ممتلئة. سمراء، بيضاء. تسكنين الشمال، تسكنين الجنوب. كل ما يمكن جمعه تحت مظلة وصف ” المظاهر”، الكلمة التي كنت أبتسم ابتسامة خفيفة عندما أسمعها وأنا أصغر. وكأنها انشغال بأمر لا ينبغي الانشغال به. أعرف الآن أن الأمور أعقد من ذلك بكثير، وأبسط من ذلك بكثير. كل ما في الأمر أنني أحتاج لموقف عقلي يناسبني ويعينني عندما تتعقد أو تتبسط.
عبارة أمس جزء من هذا الموقف. سيلومني العالم على أشياء كثيرة، كثيرة، أعرفها مسبقاً، وستظهر بعضها في الغد. لا بأس. أستطيع أن أغفر للعالم محاولاته، لكن علي ألا أوافقه عليها. ألا أوقع العقد. ألا أشاركه اللوم، وبالتالي أقبل أن يلحقني عارٌ صنّعته أمور كثيرة، ليس من بينها الأخلاقيات أو النظر السديد الرشيد.
علينا أن نتمرد. والتمرّد لا يكون بالرفض. الصراع جزء من القبول. التمرد يكون بإعادة الأمور إلى معانيها ونصابها الأخلاقي، وقبول القصور من الآخر، القصور الذي يدفعه للإقصاء واستبدال الجميل بالذي هو أدنى. إدراك الجغرافيا الاجتماعية- مصطلح مفضّل لدي هذه الأيام لأنه يشرح لي كثيراً من الأمور- ثم وضعها في الخلفية، وعيش الحياة بناءً على معانيّ ومبادئي، لا على ملاحقتي لأفق خدّاع، يتحرك كلما اقتربت منه.
وبعد كل ذلك. أو ربما بسبب كل ذلك. هل تتركين كل هذه الأمور وتأتين؟
لدي طبق دائري وشوكة صغيرة من الحلوى الحلوة المُرّة، وبجانبي كرسيٌ خالٍ، وأمامي شاشة التلفزيون.
يمكننا أن نشاهد سويةً ما يعجبك. سيعجبني ما يعجبك. وإن لم يعجبني، لأي سبب، سأشاهده بنصف عين، وبالباقي سأشاهدك. وأظل أحبك.