لي شهور قاربت أن تتمّ السنة أستكشف نوعاً جديداً من القراءة. جديد علي. غالباً كل من يقرأ هذه التدوينة جرّبه والخبر عنده قديم. لكني كلما فكرت فيه شعرت بأن هناك عالماً كاملاً فُتحت بواباته أمامي. لا أسأل لم تأخرت ولا كيف غاب عني طيلة هذه السنوات. بالعكس، ممتنة جداً لأني وصلت إليه. ممتنة أيضاً لأنه وصلني في هذا الوقت بالذات. عصا أتوكأ عليها وأهش بها فوضى هذا العالم واضطراباته التي تمدّ يدها تريد أن تختطف أماني.
المهم. ما أتحدث عنه هو قراءة متأنيّة مترفة ما وراها شي. مزاجها يشبه أغنية كايروكي ” هات لنا بالباقي لبان“. العالم ينتهي، وأنت تنزل تفوّل سيارتك وتدور مع صديق مفضّل في الشوارع تتفسّح. اجتماعي الساعة ٢، وأصابع التوتّر بالانشغالات تريد أن تمدّ يدها لجيبي، أروح مطلّعة الكتاب المفضّل، أضبط الجوال على دقائق معدودة، وأقرأ كلمتين وثلاثة، وأسرح.
لو أحببت أن أستكشف كلمة عادية للغاية لكني التفتّ إلى شاعريتها لأول مرة، مثلاً، ألتفت. أروح أدور عليها في المورد أو أتأكد من تعريفها الدقيق على ويكيبيديا. أستدعي أغاني وذكريات وألوان قديمة من طفولتي. أربط بين فكرتين لا يمكن في الأحوال العادية الجمع بينهما. أقرأ نصف صفحة أو ربعها، وأنا التي تعوّدت أن أنهي الكتب- التي أحب- في يوم أو يومين. أنسى، في هذه المساحة التي انبثقت فجأة من صدر الغرفة، الرتابة الكابية التي- أحياناً الحقيقة وليس دائماً- تسدل أستارها على عيني هذه الأيام.
أستخدم الهايلايترز والقلم الأزرق شنايدر التوب رايتر ١٤٧. والكثير من البوست ات نوتس الصفراء والشفافة. عندي سيستم مبدئي للهايلايتس. الإضاءة الخضراء للأفكار البديهية التأسيسية في الكتاب. الفوشي للتبصّرات المركّبة. الأصفر للأمثلة. البرتقالي نار وشرار وأفكار ترجّ عقلي رجّاً.

مع الوقت صار كل كتاب، بالإضافة لهذا السيستم، يقترح علي ألوان أخرى لها معانٍ تفرضها طبيعة الكتاب ومزاجي وقت قراءته. بالتالي صرت أكوّد الألوان بمعانيها في مقدمة كل كتاب كيلا أنساها في قراءة أخرى.

أكتب بالقلم الأزرق على هوامش الصفحات وفي منتصفها. وأحيان أستخدم البوست ات نوتس لما يكون الفصل الذي أقرأه معقّداً ويحتاج شروحات مني إلي كي أربط الأفكار ببعضها مثلما تشرح الأستاذة. ملاحظاتي أغلبها مستندة لتاريخي الشخصي، وأمور تضحكني ولا تهم أحداً غيري. أُعجب فيها بلماحيتي وظرافتي وخفّة، هيه، دمي.
ومش قاربنا السنة؟ عدد الكتب التي انتهيت منها بهذه الطريقة هو كتاب واحد فقط. عندي كتب لاتزال تحت الدراسة. لكن العجيب أنني أشعر بإنجاز هائل مع إنهاء هذا الكتاب لم أشعر ولا بربعه مع كثرة الكتب التي قرأتها في حياتي. الحمدلله.
الآن أشعر ببعض الفراغ. لأن الكتاب الذي عشت معه كل هذه الشهور صعب التعويض. جربت أبدأ في كتب أخرى لكنها ما قدّمت لي الانشغال الفكري نفسه. عندي كتب ثانوية تساعد، لكني أطلب من الله الرزق في كتاب يشبه الكتاب الماضي.
جمعة مباركة عليكم وعلى بيوتكم الكريمة.