اليوم من الأيام الممطرة.
بعض حزن. وشفافية. وإدراك مرهف للأمنيات اللي لم تقترب إليها اليد بعد.
ماذا تفعل في الأيام الممطرة؟
الأصحاب مشغولون بدواماتهم ونوم الفجر. وفكرة أن تتصل عليهم لتتشارك معهم مظلةً ما في الشوارع المغيمة تجعلك تشعر بأن هناك طارئاً ما يتطلّب النجدة من آخر.
وأنت لا تريد النجدة. ولا تريد أن تشعر بأن هناك طارئاً يحتاج الإغاثة العاجلة.
تسمح للمطر أن يغسلك. قليلاً. من الضرورة لنضجك أن تفعل ذلك. أن تقف لثوانٍ تحت هديره.
تتذكر بأن في أوقات المطر، الحسّية والتخيّليّة، الذكر طيّب. فتمسك بمسبحتك وتبدأ في الإنشاد. سبحان الله. والحمدلله. وسيأتينا ربنا من فضله، إنّا إلى ربنا راغبون.
تتشبّث بأطراف ذاكرتك. أفعال روتينية صغيرة تحسّن المزاج، وتدفع باليوم إلى أمامٍ واعدٍ بالإشراق. موزة صفراء. عطر وردي. الكثير من الماء.
تترافق مع سورة مريم. يلين قلبك مرة جديدة عندما تقول ستنا، وهي الشابة الغضّة التي تختبر الوجع لأول مرة، ” يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيا”. ربما كانت أصغر منك وهي تواجه هذا الألم. وحيدةً إلا من إيمانها.
وتصل إلى الوعد. سيجعل لهم الرحمنُ وُدّا. فتستغرب من التركيبة اللغوية التي تنتبه لها لأول مرة. وتشعر بالدفء يسري في أعطافك عندما تدعو الرحمن بالودّ، بعيداً عن المطالبات الحارقة المتلهفة. بهدوء. تنتظر.
تتذكر أنك لم تفتح بعد هديةً غالية وصلتك ممن هو أغلى. حان وقتها الآن مع المطر. تحملها بعناية وتأنٍ. تريد أن تكون حاضراً مع كل خطوة. أن تسمح لحلاوة الهدايا، وحلاوة الدنيا التي تمثلها الهدايا الودودة، بأن تتخللك. تتأملها بين يديك وهي لازالت في غلافها. تفتحها بدون أن تؤذيه، تسوّي أطرافه، تطبقه، تضعه جانباً بدون أن يغيب عن عينيك.. كما تأمل أن تفعل مع حزنك. ثم تستكشف الهدية قطعةً قطعة.
تترك جمالها ينير الأركان الكابية. ترسل رسالة فرحة ومقدّرة لصاحبتها. ستستيقظ بعد ساعات قليلة، وتجدها بالانتظار.
تتذكر أن صديقة أخرى أرسلت لك صورة مشاغبة كعادتها من مكتبة كينوكونيا في دبي. تفتح الصورة وتبتسم للعيون اللوزية والوجه الشقي. ثم تنتقل بين الصور لتتأمل في الملكة الصغيرة التي شرّفت العالم بميلادها قبل شهر بالضبط. تملأ قلبك بالوعود بينما تملأ عينيك من التكشيرة الصارمة، العزيزة القريبة، ويختلط المطر بسيل الحنّية العارمة التي تستعيذ بها الخالات والعمات من الأحزان وانطفاء الأيام.
المطر لا يهزمك. هو لم يرغب في ذلك أصلاً.
يريد منك أن تحيا. أن ترهف النظر والسمع والحس.
أن تغسل عنك اعتيادية النعم، أن تلجأ للسماء، أن تميل لها وتتغطى.
تكتب في مدونتك الجديدة. الكتابة صلة. الكتابة صوت. الكتابة حياة.
تشمّر عن ساعديك. تترك الشاشة، وتبحث عن بعض القهوة. أمامنا يومٌ نعيشه. لننوي أن يكون يوماً طيباً.
الله يا فاطمة حروفكِ طبطبة على الروح .
“تسمح للمطر أن يغسلك. قليلاً. من الضرورة لنضجك أن تفعل ذلك. ” اي والله ♥️
إعجابLiked by 1 person