سالمة يا سلامة

لم أستطع النوم. الليل دامس في الغرفة عدا خطوط من ضوء فرّت من قبضة الستائر. أرتدي شرشف الصلاة. أنتظر الفجر، وبيدي مسبحتي.

هناك شيء غريب يحصل، مخي يخبرني أن ” انتبهي انتبهي”، وأنا غارقة في أفكاري وتساؤلاتي. انتبهي انتبهي. هناك شيء ما خطأ. غير متّسق مع السياق.

لما زاد إلحاح عقلي عليّ، تركت أفكاري ورفعت رأسي في فحص دقيق لمحيطي. لا شيء خطأ. كل شيء كما يُفترض أن يكون. كدت أعود لاستغراقي لولا النافذة. النافذة على يدي اليمين تحمل أصواتاً طفولية تلعب. وكأنما الساعة الرابعة والنصف عصراً في يوم مدرسي، بدلاً من أن تكون قبيل الفجر.

لسبب ما، لا أدري بالضبط ماهو، بدلاً من أن يشعرني الأمر بالاستغراب كعمّة تستعد أن تمارس سلطتها الأبوية وأطل عليهم من نافذتي ” لين دحين مانمتوا؟ فوراً روحوا اتوضوا وصلّوا وعلى غرفكم تناموا”، أشعرني بالبهجة والتفاؤل.

في المساء المبكّر أتت أختي لتريني ” سنابات” لمناسبة سعيدة في العائلة. الصورة الأولى مجموعة من الناس الأعزّاء، ومنهم العزيز الذي هو في نفس الوقت الطرف الآخر في تلك الحكاية التي أفضّل تجاهلها. أو تجاوزها.

قلبي انثنى على نفسه. وكأنما أصيب بمغص حاد. اعتذرت بسرعة عن مشاهدة بقية الصور، ورغبت- برفق- أن أتجاوز هذه المشاعر، وحدّتها، وكأنما هي ردّ فعل فوري للصورة ينتهي بغيابها عن عيني. قبل أن أنام عاد قلبي لينثني مرة أخرى. ثنية بسيطة جداً، تذكرني أن هناك ألم ما، حتى وإن استطاع عقلي أن ينسى المسألة تماماً.

لم أستطع النوم. وبالرغم من أنني أستطيع مغادرة الضيق الذي يعتمل في صدري (أهو ضيق، أم شيء أكثر عمقاً؟) لعوالم أخرى، كأن أقرأ، أو أتابع حلقات عدة من مسلسل مفضّل إلى أن يغلبني النعاس، إلا أنني فضّلت اللجوء إلى الخيار الأنضج. أن أحلل المسألة، وأن أصل بها إلى معنى وقصّة ترضيني.

قضيت الليلة أتفاهم مع الأمور التي كانت تحدث صار لها شهور، أسجّلها بعقلي، أضعها في ملف نايلون، وأدسّها- وأنا أصفّر وكأنني لست عامدة- بين الملفات بحيث لا تظهر لي إلا إن اضطررت. مجموعة من الحقائق، مغلّفة بمشاعر معقّدة.

بدأت بالحقائق. ما الذي حدث فعلاً، بدون التفسير الذي تحمله هذه الأحداث. وبعد الحقائق، كتبت تفسيري لها. وأي أعذار، أو قصص أخرى، يمكن أن تكون لهذه الحقائق بعيداً عن نظرتي الشخصية. ثم. لم اتخذت القرار بعدم التفاهم مع العزيز ذاك، وأنا دائماً أفضّل أن أتحاور وأزيح الأحجار عن الطريق. في النهاية وصلت إلى فهم، ليس مريحاً كثيراً، ولكنه جميل. عن موقفي وموقف الطرف الآخر. وانزاح الثقل الحزين عن صدري.

صوت الأطفال الضاحك الصبي تسلل إلى قلبي كما يتسلل نور الصباح. الأيام التالية- كتبت التدوينة الجمعة- كانت مفاجئة في سلاستها. وجدت القبول في علاقتي مع الآخر. والتسامح المؤقت الذي يضبط المشاعر، ويقود العلاقة لمكان محايد، حتى يأتي جديد ما يخرجها منه ويعرّفها مرة أخرى.

3 رأي حول “سالمة يا سلامة”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s