مقاومة في السرّ

تمرّ بأسرتي عاصفة رعدية. لم تأتِ الأعاصير ولم يأتِ المطر. إنما هو رعدٌ يدْوي. مُخيف- بعض الشيء- ولكنّه كما آمل غيرُ مؤذٍ.

سبحان من سبّح الرعدُ بحمده. والملائكة من خشيته.

لا يعرف كثيرون بهذا الرعد. أخشى أن يقرأ أحدٌ يعزّني وأعزّه، من عائلتي الممتدّة، حديثي هذا فيقلق ويتساءل. وأنا لا أريد له ولا لي ذلك. كل ما أريده أن يظل الرعد صوتاً وأن يقول كلمته بسرعة، ثم يمشِ.

اليوم تحتفل أسرتي بزيارة عائليّة كثيفة في شوقها ومتأصّلة في حبّها. يأتي الضيوف، غالباً، بعد الثامنة. وأنا أكتب هذه التدوينة في السابعة مساءً. لدي فكرة عامة عمّا سأرتديه. يحتاج إلى كيّ تقاعست أن أرتب أمره خلال الأسابيع الماضية. هناك سلّة ممتلئة بالملابس الجديدة التي تحتاج إلى كيّ. كلما فتحت دولابي طالعتني قطعة منها. وضعتها في السلّة ” على أساس” أنني سأتولى أمرها قريباً. أعترف أني لا أجيد الكوي، لأني لم أجرب مسبقاً الكوي البخاري الذي يعتمد عليه أهلي من سنوات، وأنا أنظر إليه ببعض امتعاض وأتذكر الكاوية التقليدية بكثير من الاحترام والحنين.

لكن السلّة الآملة لازالت موجودة. أقول في نفسي إما سأتجاوز ارتيابي من البخارية أو سأرسلها مباشرة للمغسلة. تتراكم الثياب. لم أختر طريقاً بعد. والضيوف يأتون اليوم.

أقتنع أن ما سأرتديه بقماشه القطني لا يحتاج فعلاً للكي. أجلس في غرفتي، أحتسي شوربة دجاج طلبتها من مطعم في آخر بلاد المسلمين. أعني أنه بعيد عن بيتي. بالأمس زارتني والدتي. سألت: حتعملي شوربة؟ لأني بتّ معروفة بالشوربات التي أقدمها من حين لآخر لضيوفنا. قلت لها، وكنت منكبّة، معنوياً وجسدياً على أشياء العمل، أنني سأفوّت هذه المرة. وجع ظهري المُربك المرتبك قد ظهر إلى السطح الأيام الماضية. وليس من الطيّب أن أثقل عليّ وعليه بأن أطهو للأعزّاء.

اليوم، ومع دويّ الرعد، والحزن الذي أجده في قلبي رغم محاولاتي السيطرة عليه، وإعراضي عن الحديث عما يتعبني، والتعب الذي يغسلني، قررت أن أطلب حساءً يداويني. يطبطب عليّ.

إذا كنت أنت من يقدم الشوربة للآخرين، أفكر وأنا أتذوق الشوربة الطيبة على مهل، عليك أن تتذكر أن هناك أوقات الأولوية فيها أن تقدّم الشوربة لنفسك.

أذّن المغرب. أحتاج أن ألملم الأطباق البلاستيكية التي فرشتها على المائدة. أن أقوم للصلاة. أن أستجمع شجاعتي، والحبّ الذي في قلبي، وإيماني بأن الأيام تختلف فيها الأطياف، فإذا غمّقت أحيان، تشرق أحياناً أخرى.. أحتاج أجمعهم كلهم هذول، وأغسل يدي، أضع قليلاً من المكياج، أتعطّر بعطر مفضّل، أسمع موسيقى تذكّرني بأن الرعد وإن علا صوته، لابد أن يرحل.

لا يبقَ شيء على ماهو عليه.

رأيان حول “مقاومة في السرّ”

اترك رداً على محاولة إلغاء الرد