خالتي الحبيبة.. درّاعتش عچيبة

أرتدي اليوم ثوباً لخالتي.

بالأمس كنت أشاهد مقطعاً من مسلسل ” ماهو ذنب فاطمة جول”، ولفتتني محبّة أبلة مريم، ” الداية الصغيرة”، وعنايتها بفاطمة جول. وتساءلت: من أين يأتي كل هذا الحب. كانت مشغولة بخبز عجين، ثم التفتت إلى فاطمة جول وهي تتحدث بالهاتف ويتصاعد ضيقها من الحديث حتى تركت- فاطمة- المكان، فتركت مريم أبلا خبزها وعجنها لتلحق بفاطمة وتسألها: مين زعلك؟ ماذا فعل كمان عشان يزعّلك؟

هذا التدخّل والمحاماة الفورية، من أين تأتي؟

وجربت أن أستدعي نماذجاً أعرفها قد تشرح لي هذا الحرص. فخطرت لي ابنة أختي، ووضعت نفسي في مكان مريم فوجدت أن التصرف المنطقي ليس فقط أن أترك العجين، ولا أن أحيط وجهها بكفّي وأسألها من آذاكِ، لا.. بل أذهب لمن آذاها وأنهال عليه ضرباً وركلاً لغاية ” ما يعرف أن الله حق”.

ثم أني تذكّرت أنني، ولله الحمد والمنة، تلقّيت الحب ذاته من خالتي. خالتي الحبيبة الجميلة العجيبة.

بالأمس أيضاً زرت والدتي في غرفتها، فوجدّتها ترتب ثياباً في طبقات. الثياب ليست لها لأن ألوانها لا تشبه ماترتديه. هي مثلاً لا ترتدي الكحلي المنقّط بالأبيض. وهي كذلك لا ترتدي الألوان الفاتحة كثيراً.. وبالأخص الوردي. سألتها عنها. قالت هذي لأمش شفا. أمي شفا. خالتي الحبيبة اللي دراعاتها عجيبة. وأرسلتها لي لأوزعها. ترددت قليلاً. الثوب الكحلي المنقّط بالأبيض والذي تتخلله ورود أورجوانية كبيرة يذكّرني كثيراً بابنة أختي. قرّة عيني. وألن يكون من المدهش والمذهل أن ترتدي شيئاً كان لخالتنا الكبيرة؟ لكنها أرسلت الثياب لتوزّع، ربما ليس من الطيب أن نهديه؟ لكن سرعان ما أزحت الفكرة، فمعنى الأثر مهم كذلك، والخير حمّال الأوجه.

قلت لوالدتي أنني أريد الثوب لابنة أختي. فبدا على وجهها الاستحسان المتفاجئ وقالت طيّب! ومن قبيل الفضول ” تصفّحت” بقية الثياب، فأدهشني منها شيء وأعجبني. وتساءلت متعجّبة أيضاً إن كان من الممكن- ياللجمال والطيبة- أن يكون من نصيبي أنا أيضاً أن أرتدي ثوباً لخالتي. قلت لوالدتي: وآخذ هذا كمان؟ قالت وقد انتقل الاستحسان لفرح جمّ- فرح جمّ لكنه لازال متحفّظاً. لا ننسى أننا نتحدث عن والدتي بطباعها هنا- قالت: خذيه! قلت: يمكن مايجي علي. قالت يجي. بس نعدل الأكمام. وأمسكت بالخيط على التو.

أرتدي اليوم ثوباً لخالتي. أرتدي يوماً الـ ثوب من خالتي. وأشعر به وكأنه پاور بانك يعطيني الطاقة التي أحتاجها بعد أن كانت الأيام القليلة الماضية منهكة وبدأت تذهب بمزاجي إلى طريقٍ كابٍ. وأفكر أن الحب ماهو عادي. ولا هو مضمون ولا أمر مفروغ منه. الحب توفيق ونعمة وأغلى ما يمكن أن يُرزق به المرء.

وأفكر في أننا قد يفلت مننا للحظات، لأيام، لشهور أو سنوات، إحساسنا بأعجوبة هذا الحب. بغرابته. بغلاوته. أن يترك أحد لأجلك خبزته تحترق في الفرن لأن صوتك تغيّر على التليفون. وأهل المصالح يظنون الدنيا مكسب وخسارة، جزاء وعقاب. بينما أهل الحب- جعلنا الله منهم في الدنيا وما بعدها- يعرفون أن الوجود محبّة. وكل ما بعدها، يأتي بعدها.

أتمنى لك يوم سعيد ومورّد كثوب أمي شفا بالضبط.

رأيان حول “خالتي الحبيبة.. درّاعتش عچيبة”

أضف تعليق