أشياء رخيصة. أحسن من الغالية.

عندي شنطة.

شنطة سودا. مش سوداء. سودا. آز إن: أنا مش سودا لكنّ الليل سوّدني.

أحملها على كتفي منذ عشر سنوات. مع أنني عندما اشتريتها، والله- الحلفان للتعبير عن عجبي- لم أكن أنوي سوى استخدامها لمشوار واحد ثم أدفع بها لغياهب النسيان. لأنها حقيبة جلدية مستفزة بعض الشيء. فيها من شكل البيض، وفيها من المربع والمعيّن. أو هكذا فكرت. لكن حجمها مناسب لذلك المشوار الذي نسيت تماما ماذا كان.

مررت على المحل الممل صدفة بينما كنت أبتاع شيئا ضروريا آخر، ولأنني وقتها كنت أدير أمور يومي بالكاد قررت دخول المحل وأبتاع أي حقيبة تقابلني وخلاص. كان عليها تخفيض. سعرها الأصلي ٦٠٠ وكسور وأصبحت ب٣٤٥ ريال. هذا في ٢٠١٤. فيعني يللا.. خلينا نشتري.

المهم أن هذه الحقيبة المستفزة التي لم تعد مستفزة رافقتني في حلّي وترحالي. أصبح جلدها باهتاً، لم يتشقق، لكن يحتاج إلى تنظيف من وقت لآخر، ومقص لإزالة خيط أسود نافر من خياطة الجلد. الاكسسوار الذهبي الصغير الذي يلحقها بهت لونه، لكن لم يصبه الصدأ.

وصل بي الأمر مؤخراً إلى أن أحملها معي في اجتماعات العمل الصباحية مع أني أدرك أن مظهرها قد لا يكون مناسبا. قلت في مرة خلاص. وجبت. سأبتاع البديل. ابتعت البديل، أكثر من شهر من وصوله ولازال في حقيبته القماشية البيضاء.


عندنا في البيت طبق أخضر. دائرة قطره لاتزيد عن ١٥سم أتوقع. ومؤكد إنه ما اشتريناه، وصل هدية مع علبة شوفان مثلا. مع ذلك الصحن هذا أكثر شيء ينطلب من سكان البيت. ولو غاب نسأل عنه ” مين أخذ الصحن الأخضر ومارجعه؟”.

في يوم ما قررت أن أخرج من البيت ولا أعود إليه إلا وفي يدي خمس بدائل على الأقل لهذا الصحن الأخضر. بسيطة، أليس كذلك؟ زرت ثلاث محلات كبرى، لم أجد أي شيء يشبهه. عدت إلى البيت خالية الوفاض.


في أوقات مضت كنت أعزو إصراري على منتجات بعينها إلى طبعي. خُلقتُ ألوفاً مثل ما يقول المتنبّي. لكن مؤخراً أدركت أن هناك طبقة إضافية لا تتعلق بي، بل تتعلق بالتصميم الجيّد. التصميم المتفوّق الاستثنائي المُجيد لما يفعله. عندما يكون أمام الصانع قطعة واحدة تلخّص الكون بأكمله. فيصنعها. ثم يطلقها للأثير.

وهذا التصميم الجيّد لا علاقة له بالسعر. ولا علاقة له بكون الصانع نفسه مجيداً لحرفته بأكملها. لكن مع تلك القطعة بالذات؟ بلغ حدّ الكمال. لابدّ أن في الأمر تدخّل إلهي. كيف يمكنك، حتى ولو عقدت النيّة مليون مرة، أن تصل للكمال في تصميم صحن أخضر بلاستيكي؟ لا يمكنك. لوحدك لا يمكن.

لدي هذه الأيام كتباً كثيرة عن التصميم. أعترف أن الحديث عن التصميم بشكل عام يثير تحيّزاتي. أعرف بعضها وأجهل الباقي. أعرف مثلاً أنني أُستفز كثيرا كلما ذكر أحدهم آيديو أو كتب دونالد نورمان. لذلك ماكان يخطر ببالي أن أبتاع هذه الكمية من الكتب التي تتحدث عن التصميم بشكله المجرّد. لكن بمجرد أن ربطت حقيبتي السوداء بصحني الأخضر (ليس صحني، صحن المنزل بأكمله!)، أدركت أن الأمور تغيّرت في عيوني. وأنني أريد أن أستزيد. أريد أن أقرأ عن التصميم الجيّد، ويا حبّذا لو كانت كتباً قديمة من السبعينات.

بقي الآن، الله يقوينا، أجد الوقت كي أستغرق في قراءتها.

3 رأي حول “أشياء رخيصة. أحسن من الغالية.”

اترك رداً على baa7r إلغاء الرد