اعتدت لفترة من حياتي أن أصمم ” تيمة” لكل أسبوع. أن أبدأ أيامي بفكرة مجرّدة تحرّكني طيلة أيام العمل. أطبعها على ورقة إيه فور وأعلّقها على الجدار المقارب لمكتبي طيلة الأسبوع، وأنزعها في نهايته استعداداً للفكرة الجديدة.
من التيمات العزيزة على قلبي للآن كانت كلمة ” مطالع”. أحب شعور إطلالي على شيء، ورؤيتي له مرأى العين، وإن كان بعيداً. فكرة إني قريباً سأصل إليه مادام في مرمى البصر.
بيني وبين السلحفاة التي تسابق الأرنب أوجه شبه كثيرة. ليس بالضرورة أن يكون فوزها على الأرنب من ضمنها.
في طفولتي كنت أشعر بالانزعاج كلما سمعت عن قصة الأرنب والسلحفاة. انزعاج طفولي حقيقي، متعكّر المزاج. وكأن هناك خطأ شنيع وقبيح ومزعج في لوحة ما أمامك، وأنت لا تعرف ما هو بالضبط. والكل يطالبك بأن تستمتع بهذه اللوحة بدون أسئلة، لدرجة أنه لا يخطر ببالك أن السؤال مطروح.
هناك حكمة عميقة من القصة. غير تلك القريبة من اليد. الحكمة المتاحة: لا تصبح مثل الأرنب، تطمئن لقدراتك وتلعب وتضيع وقت، لأن هناك من سيفوز عليك. حكمة أخرى، أقل عدائية ولا تسبب الاختناق مثل الأولى: المثابرة تأتي بنتيجة، حتى عندما تكون الظروف كلها ضدّك. وكالعادة مع الحكم المتوارثة التي تضع إطاراً خانقاً للتفكير، وضعت القصة ورائي، ولم أعد أفكر بها، أو أحاول تصحيحها.
قبل سنوات تعرّفت على ماركوس باكنجام، وكانت مدرسته الفكرية مدهشة في إجابتها على كل سؤال لم يخطر ببالي أن أسأله. من ضمن القواعد التي يذكرها باكنجام، أن السمات النفسية محايدة، لا تحمل قيمة في حد ذاتها، بل طريقتك في التعامل معها وتبنّيها هي ما يعطيها هذه القيمة.
هذه السمات تتحول، في مرحلة ما، إلى نقاط قوة. تحمّلها ما أردت من خير أو شر. مثلاً، نقطة القوة في قدرتك على إقناع الآخرين. قد تكون خيراً بأن تسمح لك بتوجيه الآخرين إلى قرارات/ طرق/ أفكار بنّاءة، أو قد تسمح لك بالتلاعب بهم لتحقيق مكاسب خاصة في أجندتك. النقطة في حد ذاتها لا تحمل قيمة خير أو شر، ليست إيجابية أو سلبية.
وهذه الفكرة، وبالصدفة أثناء الحديث مع صديقة عزيزة عن فكرة الصبر، سمحت لي بأن أفهم قصة الأرنب والسلحفاة. وأن أصل بالتالي إلى الحكمة التي قادت، وتقود، كثيراً من قراراتي المهنيّة.
الفرق بينهما، السلحفاة والأرنب، هو اختلاف نقاط القوة. نقطة القوة لدى السلحفاة هي الصبر. الدأب والمثابرة إن أردت معانٍ مختلفة لنفس الفكرة. والصبور، الدؤوب المثابر، تحرّكه الغاية. التحدّي كان مُصمماً لأن يكون سهلاً على السلحفاة. أعطِها غاية، ودعها تنطلق. فكرة أنها بطيئة ليست فكرة مثبّطة لها، لأن هناك فكرة أعمق وأهم تعمل كحافز. إطلالها على خط النهاية، ورؤيتها له مرأى العين، وإن كان بعيداً. هي متيقنة من الوصول مادامت الغاية في مرمى البصر.
التحدّي، في نفس الوقت، كان مُصمماً ليجبر الأرنب على الهزيمة. نقطة القوة لدى الأرنب ليست في سرعته. بل في تنافسيته. ومن تكن التنافسية قوّته، تحرّكه الرفقة التي يتشارك معها الطريق. فإن كانت الرفقة سُلحفائية، تباطأت جهوده لتتماشى مع ” فكرته” عن منافسيه. أعطِ الأرنب أرانباً مثله، وشاهده وهو ينطلق.
المشكلة عندما تجرّم الثقافة فكرة التنافسية في حد ذاتها، تحكم عليها على أنها تحمل قيمة أساسية في سلبيتها، بدلاً من أن تكون نقطة قوّة خالية من الأحكام، ولا تضطرّ أصحابها للاعتذار، أو لقبول فكرة ” شرّيتها” المطلقة، وبالتالي ارتكاب التجاوزات الأخلاقية التي تبررها.
ليس هناك بطل في هذه القصة. هناك فروق شخصية استجابت للظروف المحيطة. الحكمة الوحيدة التي يمكنني استخلاصها من هذه القصة بضمير مرتاح وبدون اختناق هو أن الحياة الطيّبة- المهنيّة على الأقل- تبدأ بمعرفة ما إذا كنت أرنباً، أم سلحفاة. ثم تجد البيئة المناسبة لتسمح لك بقطع الأميال كما تريد.