الباب مسدود بعناية. مسدود بحرص. مسدود بعناد. مسدود بحكمة وذكاء وعن نيّة متجددة لا تسمح بالتهاون أو التسويّات.
ثم. لأيام قليلة خلال السنة، أجد أن الجدار بأكمله، وليس فقط الباب الذي ينتمي إليه، وقد اختفى تماماً. وبتّ على بساط الريح. أسمح لها، للريح التي اخترعت الباب المسدود لأجلها، بأن تهبّ عليّ بكامل قوّتها. بعتوّها وقدرتها على الوصول إلى عظامي. ورغم البرد الذي تهددني به طيلة أيام السنة، وبرغم الجو الماطر والإعصار، أستقبلها بالدفا وكل الودّ.
–
هل جرّبت أن تعرف حقيقةً ما عن نفسك، فتدفعك معرفتك هذه لأن تمضي، وتتطرف، حتى تصل إلى القطب المعاكس لها؟
في طفولتي المبكّرة شاهدت مسلسلاً مع أكبر خواتي. متأكدة أنا أن اسمه ” شارع الخائفين”، ولكن بحثي على الإنترنت يقول لي أن المسلسل، من تأليف ممدوح عدوان، اسمه ” ليل الخائفين”. أفضّل التسمية التي، ربما ربما، اخترعها خيالي. المسلسل يحكي عن رجل تطارده عفاريته، اكتشف مسودّة لرواية لم تُنشر بعد، وهاجر صاحبها خارج البلاد. قرر أن ينشرها باسمه. ولمّا نشرها، كسّرت الدنيا. تخيّل بسّام كوسا، بكل عبقريته، يؤدي دور الرجل الناقص الذي يدّعي كمالاً ما، ثم يصدّقه العالم، ولا يصدّق هو نفسه.
يعود الكاتب الأصلي للبلاد. ويعرف بما فعله الدّجّال. ولا يكترث.
كيف لا يكترث؟
لأنه رمى حياته السابقة، حقيقته السابقة، وراء ظهره. ثم لم يكتفِ بذلك، بل راح إلى آخر الطريق. لست أذكر أحداث المسلسل فيما هو أبعد من ذلك، لكني أتذكر أمرين.
أوّلهما أن المسلسل صوّر العائد إلى البلد وكأنه دخل في اتفاقية ما مع الشيطان. رجل الأعمال الناجح الذي اختار رفقة المال على نبل الأدب.
وثانيهما، أن ارتياح العائد، وفي مشهد علق بذاكرتي: ضحكاته اللامبالية، كان فتحاً فكرياً بالنسبة لي. يمكنك، أيتها الفتاة الصغيرة، أن تختاري أي الحقائق تعيشين. يمكنك أن تذهبي إلى أقصى الأطراف، ولا تكترثين.
نجد ملاذنا في قصص الآخرين. وجدت ملاذي في تلك الشخصية التي استطاعت ألّا تبالي. ليس ادعاءً، ولا هروباً، وبالتأكيد ليس خوفاً. هو اختيار مستقل ومتسق مع معانيها المهمة. هذه فكرة أحبها، ولايزال وجودها وتحققها يشعرني بالأمان.. ويسمح للريح بأن تزورني إن أردت، فلا تزيدني إلا ثباتاً.