أخذت إجازة من العمل لهذا النهار. الأسبوعين الماضيين كثرت إجازاتي، ولكن كثرتها تعادل أياماً سابقة، مايو ويونيو، كنت أعمل فيها بما يتجاوز معدلي العادي. يعني لازلت للآن سابقة للجدول، وإن كنت أبدأ قريباً مشروع جديد يحتاج إلى تحضير، وأنا لم أحضّر نفسي بعد.
كنت أتحدث مع صديقة العمر، وقلت لها أنني طيلة الصباح أفكر فيها، أريد أن أحكي لها ضيق ما مررت به، لكني كرهت أن تنفجر في وجهها قنبلة ” السمّية” التي أشعر بها. قلت أنتظر حتى صفت الأمور بعض الشيء.
عملت أشياء روتينية لا تحتاج لتفكير، استمعت لقائمة موسيقية أحبها.. ولمّا راق مزاجي وكدت أتصل، سبقتني هي بالاتصال.
أحب فكرة الاعتماد العاطفي، الفضفضة، للأحبّة ممن يسمعون ويحنون ويغضبون لأجلي. ربما هي من أغلى النعم التي رُزقت بها. لكني أيضاً أحب فكرة أن ” أهذّب” مشاعري قبل أن أنقلها للآخرين. أن أتفاهم مع صعوباتها وأُنقّيها من الشاذ أو المتطرف. هناك فرق بين طلب المساعدة، وبين أن أجرّ اليد التي تمتد لي معي في الهوّة الظلماء العميقة التي يختلط بها الحابل بالنابل. ما أحب اختلاط الحابل بالنابل. نخلّي الحابل لوحده، والنابل لوحده.
تحدثت عن الأمر الذي أزعجني. ردت علي برحابة صدرها المعتادة، يخليها ليّ، وزادت الحلا حلاة لما رددت عبارات ليست من مفرداتها المعتادة، لكنها عرفت أنها ستطيّب خاطري أكثر وأكثر. تحبّني كما تعرف أن تحب، وتحبّني كما تعرف أنني أحب أن أُحبّ.
بعدها تحدثنا عن أشياء أخرى يومية. وبسهولة نهرية، راح الكلام على أكبر مخاوفي للسنوات الثلاثة الماضية. شيء لم أفكر يوماً أن أحدث أحداً عنه. قلت لها أنني أخشى كذا. وكأنني أحكي لها أنني لم أنم البارحة جيداً. قالت بنفس السهولة الهادئة: والله؟ كيف كذا كذا؟ قلت كذا. قالت لا تشيلي همه، أنا وراك وأشيله لك.
وبهذه البساطة. ما صرت شايله همه كما كنت ” أشيل” همه.
أنهينا المكالمة، وبعدها ظللت للحظات أتساءل إن كان ما قلته لها قد قلته فعلاً. وبهذه السهولة؟
ارتديت فستاني الجديد، وإن كنت قد ارتديته بالأمس أيضاً. شعرت برغبة أن ” أعيش” فيه اليوم أيضاً. فطرت فطوراً معتبراً وغير معتاد. شربت قهوة طيّبة. واستعاد النهار إشراقته.