المنزل هدأ فجأة، بعد أن كانت الكلمات تتصاعد وتتشابك وتلتصق ببعضها البعض خلال الساعات الصباحية القليلة قبل صلاة الجمعة.
المسجد القريب من بيتنا ينسى أحياناً، ربما، غلق المايكروفون بعد الأذان. خصوصاً في صلاة الجمعة. تصلني الصلاة كالمعتاد. عدا ذلك ذرات الهواء خالية من أي شيء آخر. لا اقتراب ولا ابتعاد. لا حميمية ولا جفاء. لا ودّ ولا بُعد. وفي هذه اللحظات عقلي يكتسب صفاءً مفاجئاً كصفاء هذا الصمت الذي لا يحمل أي شيء. ولا يأتي بأي توقّعات.
زياد آل الشيخ عنده مقطع من قصيدة يحيّرني. يقول، على لسان الرجل ذي الساق الخشبية:
كفّي سمكة. ليست للطبّ. ولكن للحركة.
ربّما لو كانت يده سمكة، ليست للحركة ولكن للطبّ، كنت فهمت ما يقصد.
قبل شهور أهدتني صديقة العمر بطّانية فستقيّة. ربما هي أغرب هديّة استقبلتها للآن، ليست في حدّ ذاتها، وإنما في الأثر الذي أدخلته لحياتي.
بطانيّة واسعة. تبدو أنها تمتد لأمتار وأمتار. وخفيفة. لا تخنقني. ولكنها تحيطني بالدفء من كل اتجاه. وإن أردت البراد، الغريب، أنها تسمح لي بذلك. أوّل مرة تلحّفت بها خطر ببالي أنها حُضن فستقي.
وأنا شخص لا يتعامل في حياته مع الأحضان بكثرة أو بيومية. ليست من مفردات لغتي الجسديّة. في تلك اللحظة فهمت لم يحبّ الناس الأحضان العاديّة. كأنما تطلق سلسلة من الغيمات البيضاء وسط سماء ناصعة الزرقة.
استيقظت اليوم على قلق يأكل جزءًا من قلبي. ظهرت لي كلمات عدّة تعبّر عنه. تظهر كلمة. توجع لي قلبي ولكنها في الوقت نفسه تقبض على الأفكار العائمة وتحوّلها لشيء منحوت. أكتبها في نوتة الجوال لوحدها. بدون شرح. دقائق ثم تظهر كلمة أخرى. أكتبها كذلك في نوتة جديدة بدون شرح. وأشعر كأني ضابط يتعامل مع اختناق مروري. يلوّح بيديه، يوقف سيل السيارات كي تمر سيارة. ثم سيارة أخرى. ثم أخرى. وما إن تمر سيارة حتى تتبخر في الطريق. لا يبقى من أثرها سوى نفحة بخار أبيض يقول أنها كانت هنا.
أدعو الله ألّا يخلّيني. ثم أتراجع لربما تكون هذه الصياغة لا تتهذّب في دعائها. أتذكر ” ما ودّعك ربّك وما قلى” فأهدأ، فتليها الآية ” وللآخرة خيرٌ لك من الأولى” فأتأهب للصبر على مصاعب الدنيا، ثم ” أتفاجئ” بـ ” ولسوف يعطيك ربك فترضى”.
لدي بعض المهام قبل أن أستعد أيضاً لضيوف أعزّة يأتون مع المغرب. أفكّر أنني أريد أن يشاركني أداءها صوتٌ رفيق. لست في مزاج ملائم للموسيقى. ربما بودكاست رفاق. أو ربما من يقرأ الشعر.
جمعة مباركة.