سروات

عندي صديقة اختارت ألا تكون النسخة التي عرفتها بها. لا أعرف ما الذي حصل بالضبط. خيارات صغيرة صغيرة، تراكمت لتصبح سلسلة جبليّة بيني وبينها. هي تقول أنها تراني. لا أعارضها صراحة، ولا أستجيب، لا أقول أنني لا أراها. وأن النسخة الجديدة/ ليست جديدة تماما/ تدفع بقلبي إلى أن يطرق صامتاً.

النسخة الأخرى التي تواعدنا في سنوات صبانا على أن نكونها لا تزال حيّة أمام ناظري. لا. ليس أمام ناظري. بل بجانبي. أشعر بدفء كتفها المتخيّل يجاور كتفي. كلما مرّ على موقف أو حكاية أو رواية، ألتفت إلى يميني لأضحك معها ولأستمع إلى تعليقها. ولا أجدها. ولا أزعل. والله ما أزعل.

الناس تتغير. تكبر وتختار من تكون. لكن ماذا أفعل في هذه الالتفاتات التي تأبى أن تغادرني وقد تقبّلت تماماً أن لا نصيب لي في رفقة العزيزة الغالية؟ وأن الرفقة الجديدة تتطلب مني إما ألّا أكون أنا، أو لا تكون هي. وهذه تسويّات تتعلّق بالهويّة والذات، لا يمكنني، ولا أريد، أن أطالب أيّاً منّا بتقديمها.

قبل قليل، وبعد يوم حافل ومشحون بارتباطات اجتماعية، عدت إلى أرباعي (هل هي كلمة عربية؟ الأرباع كمساحة واسعة تتحرّك فيها الذات وحدها بحرّية؟) وفتحت تويتر. وجدت تغريدة لا يمكن أن يشاركني أحد ردة الفعل التي شعرت بها إلا تلك البعيدة، تلك التي اختارت ألّا تكبر معي، أن تظل صبيّة. والتفتّ إليها، أبحث عنها وعقلي يقول: طيب يمكن حلو نلحق بها؟ نلحق بها لوين؟ وفين وكيف، وهي لم توجد أصلاً. كانت موجودة في الخامسة عشرة، موجودة في العشرين. موجودة نوعاً ما في الخامسة والسادسة والسابعة والعشرين. ثم بدأت في التلاشي، بيكسل وراء بيكسل، على الثلاثين.

أتذكر أغنية نوال ” مكانك مبين“، وأستمع إليها كعزاء لحزن قد بردت ذرّات جمره منذ سنوات. لكن العزاء مرحّب به دائماً، ولو كان على جرح لم يبق منه سوى أثر أغمق قليلاً في باطن اليد.

3 رأي حول “سروات”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s