يا حافظ كنز الغلامين..

قبل أيام قليلة كنت أجلس مع والدتي حفظها الله وقالت لي أن فلانة، قريبة بعيدة في العمر والشخصية عن والدتي، تستحق كذا وكذا. كل خير. استغربت وانتبهت حواسّي. أحب أن أعرف الشخصيات اللاتي تحمل لهنّ والدتي الجميل، ويبدو أن هذه السيدة- على بعدها عن والدتي- قد أسدت إليها المعروف.

سألتها بتعجب: ليش؟ قالت، وكأن هذا أكثر الأمور منطقية، أن والدها في سنة ١٩٧٢ رتّب لوالدتي وأختها- أي خالتي- أمراً ما. وأنه قبلها بسنة سافر لبلد كذا وابتاع لوالدتي هديّة يعرف جيداً أنها ستروقها. ولازالت محتفظة بها للآن.

ولأنك قارئة كريمة، ولله الحمد والتوفيق، لن تجدين في الأمر غرابة كما أجدها فيه. صلة المعروف شيم العرب. لكن استغرابي لم يكن في حفظ والدتي للجميل، وإنما في الحالة الانتقالية لهذا الجميل، من الأب للابنة، وكأن الابنة هي من أسدته لنا. وكأن الابنة هي من تحلّت بهذه الشهامة الغامرة.

في نفس الفترة كنت أستمع لدرس ألقاه الشيخ حمزة يوسف عن كتاب ما. قال فيه أن ” أبوهما” المذكور في سورة الكهف، في الآية الكريمة ” وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)” هو الجدّ السابع للصبيّين، وليس الأب المباشر. لسبب ما هذه المعلومة أخذت بلبّي. هذه الرقة وهذا الامتداد للخير. يا إله السموات.

لذلك حفّظونا أهالينا الدعاء: ” يا حافظ كنز الغلامين، من دون علمهما، بصلاح آبائهما وأجدادهما، احفظنا من كل سوءٍ وشرّ بصلاح آبائنا وأجدادنا.”

لم أكن أفكر في عمّي/ سيدي/ فلان كثيراً. لا بل لم أكن أفكر فيه على الإطلاق إلا عندما تمر علي حكايات لقرارات مصيرية فأتذكر قراراً مشهورا عُرف به. اليوم أتذكره. ليس لأنه رتب لوالدتي وخالتي ذلك الأمر اللوجستي وقتها، ولكن لأنه رأى الزجاجة وابتاعها، هذه الرقة والإحسان والعذوبة والجمال. أتذكره، وأتأثر وأقرأ له الفاتحة. كما لو أنه سلّمني زجاجة العطر بيده. وامتناني وعرفاني له ولأهله، حتى حفيده السابع الذي لم يأتِ بعد.

رأيان حول “يا حافظ كنز الغلامين..”

  1. بذور الخير حيّة وإن دفنتها رمال الزمن، تظل تُزهر كلما ابتلّت بالذكر بالدعاء.
    ياحافظ كنز الغلامين احفظ في ذرياتنا بذرة خير آباءنا 🤲

    – اشتقت أقرألك🥹💗

    Liked by 2 people

اترك رداً على هيفاء إلغاء الرد