شريطة مخمل

في سنة ماضية واجهت معضلة ما في حياتي الشخصية، لم أقابل مثلها قبلاً، ولم أتخيّل أن شيئاً كهذا سيكون ضمن قصة حياتي. ولكنه صار. وأصبح جزءاً منها ومنّي.

هذه المعضلة، وإن لم تكن تتعلق بالعافية الجسدية ولله الحمد، أصابت أجزاءً حيويّة من عافيتي النفسية. واضطررت، بناءً على نصيحة الأصدقاء الحكماء، أن أترك حياتي كما عرفتها لفترة. سمّيتها إجازة مؤقّتة، حاولت فيها أن أحني رأسي للعاصفة، وأن أركّز على بناء الأمن الذي هدده ظرف خارجي.

في تلك الأوقات كنت أشاهد الضرر الذي أحدثته المعضلة إيّاها في حياتي، وأتساءل إن كنت أود، كسيناريو واقعي أو مُتخيّل، أن أترك ما يضرّني، وأبدأ حياة جديدة بعيدة عنه.

ولكني رأيت المصلحة في أن أظلّ. وإن كان التهديد قائم لا أستطيع أن أزيحه. كل ما يمكنني فعله هو التعامل معه. السيطرة على ما أفعل، لا على ما يفعلون.

ثم مع الوقت، وفي معتزلي المؤقت الآمن، تساءلت: ماذا لو كان من المصلحة أن البيئة المحيطة بتهديداتها لا تتغيّر من حولي. ماذا لو كنت ترى أن من المصلحة هي في تطويرك للقدرة السحرية على التعامل مع الصعوبات داخل حدودك بدلاً من العمل الحثيث على تغيير الصعوبات الخارجية؟

القدرة على خلق القوس. قوس القزح. القدرة على رؤيته. القدرة على الثنائية. أن ترى منك نسختين. نسخة حاليّة تعمل ضمن الأطر التي تضيّق عليك دنياك. ونسخة أخرى منك تنتظرك عند القوس الذي ستعبره للألوان. للأزرق الباهر والتوتي الراقص. بعيداً عن الأبيض والأسود ودرجات الرمادي. 

في الحربية عندهم فكرة ” مفهوم العمليات“. لأن المعطيات قاصرة، والهدف غير محدد، ولا يمكن التنبؤ بما سيجري على الأرض، فمفهوم العمليات يعتمد على أدوات فكرية تجريدية، تعدّك عقلياً، نعم عقلياً، لما يمكن أن يجري. وبالتالي تستطيع أن تتخذ قراراً مناسباً في لحظات عندما تتوفر لك المعطيات التي لم تتوفر لك خلال الساعات أو الأيام الماضية. قبول أن البيئة الحاليّة لن تتغير، بل أنك لا تودّ لها أن تتغير- في لطف وعافية- يسمح لك بأن تبني قدرتك العقلية على التعامل مع عالم جديد يقوم كالعنقاء من رماد العالم القديم.

أكتب هذه الكلمات تحت مظلة العافية. ولله الحمد والمنّة. وكنت حتى في أزمتي مشمولة بالعطف من دائرتي العزيزة المقرّبة، محاطة بحماية من الأهل حفظهم الله ورعاهم. اللي يده في المويا مو مثل اللي يده في النار، ولن ينصح شبعانٌ جائع. لكن وطأة الأمور على النفس، مهما أدركتْ نعمة الله عليها، تظل قاسية. ونظل نحاول أن نفهم الأمور والدروس والاستجابات. أن نرتب ماحصل في كرتون مقوّى ونلفه بشريطة مخمل ألوانها باستيل.

وأكتب أيضاً هذه الكلمات وهواجيسي التي تنتمي للوجدان الجمعي تحذّرني من أن أفتح ملفات قديمة، لاسمح الله قد تستدعيها من جديد. لكني أقول أننا نأمل من الله الستر والعافية. ونأمل أن ما صار صار وانتهى، وأن يحفظنا الله من الشرور.. ثم أننا نكتب مافكرنا به وتعلمناه، فإن استطاع أحدنا الالتياذ به فليفعل، وإن لم يستطع، فلا عليه مِنّا أو من نفسه ملامة.

ويا حافظ كنز الغلامين، من دون علمهما، بصلاح آبائهما وأجدادهما، احفظنا من كل سوء وشر بصلاح آبائنا وأجدادنا.

حفظنا الله وإياكم.

فكرة واحدة بشأن "شريطة مخمل"

  1. فاطمة، هذه التدوينة تستطيع أن تقول لي الكثير مما يؤرقني، وبالوقت المناسب، لكنها تحبس عني الجواب الأهم، الذي يستطيع أن يساعدني حقًا لأني ربما في معضلة تجانس التي مررتِِ بها: حسب تجربتك، فين الأفضل نطوّر قدرتنا على التعامل داخل أطُرُنا ولا بالخارج؟

    Liked by 2 people

أضف تعليق