استيقظت اليوم وأنا أفكر في كريمة قهوة غنيّة لم أذقها قبل في حياتي. ولست متأكدة أصلاً من أنها ستروق لي. لكني استيقظت وأنا أفكر بها.
بعد وعكة صحيّة قصيرة لازلت أتعامل مع آثارها. لا يبدو الخروج من المنزل قراراً حكيماً. وإن كنت أود- بسبب القهوة إياها- أن أتأنّق، ربما حتى أستشور شعري، وأرتدي عباءة جديدة (أحتاج عباءة جديدة)، وأخرج في النهار بحثاً عن القهوة التي أريد.
كنت قد قررت أن أسجّل ما يحصل في رمضان عندما حاولت استرجاع رمضان ٢٠٢٠ ولم أتذكر منه سوى لقطات صغيرة، وأحاسيس عميقة ليست مرتبطة بحكايات معينة. وأنا أحب الحكايات. الحكايات تمكّني من أن أعود إلى تضاريسها مراراً وتكراراً، أتلمّسها، وأخرج بخلاصات مختلفة منها كل مرة أزورها. الأحاسيس، على عمقها أو ربما بسببه، تسجنني بأساميها، وبدون حكاياها لا أستطيع أن أعيد تعريفها أو أن أبتكر طرقاً فرعية منها.
الفكرة أنني أتيت بدفتر عريض ابتعته قبل سنوات ولم أستخدمه لأنه ليس عملياً في حجمه، أشبه بكراسات الرسم، وقررت أن أكتب ما يحصل في يومي بدون تأملات أو محاولة الوصول لخلاصات. استيقظت كذا، فعلت كذا وكذا، قرأت كذا. كيلا تصبح الكتابة عبئاً يطالبني بأن أنظر إلى صفحة ذاتي في المرآة. ووجدت هذه الممارسة- يا للمفاجأة التي ليست بمفاجأة- صحيّة وشافية.
بعد رمضان وضعت الدفتر على رف بعيد. على أساس أن فترة الكتابة قد انتهت. ثم وجدتني أتوق للصفاء السهل الذي منحتني إياه كتابة يومياتي. فأتيت بدفتر جديد وبدأت الكتابة مرة أخرى.
أفكر كثيراً في المناطق المصمتة من حياتنا. تلك التي تشبه المادة التي تحتل الثقوب السوداء. لا تعطينا لون ولا صوت ولا نبض. مجهولة علينا، ومش مضمون أننا لو اقتربنا منها ستسمح لنا. تمانع الاقتراب. تمانع الاستجابة. تمانع الرغبة في المعرفة والماهيّة. وأرى الكتابة لعباً بالنار. رمي القفاز كما كان يفعل الإنجليز في القرون الماضية. تحدّياً بالمبارزة، وضحكة مجنونة تقتحم المصمت وتزدري تعاليه. وأحب هذه الفكرة. وأحب أن أتشبّث بها وألّا أفلت يدي.