يروم

كلام طويل عن الأشياء التي يحبّها القلب.

يحبّها ولا يُحسنها.

في أولمبياد ١٩٦٨ بالمكسيك ظهر ولد أمريكي في رياضة الوثب العالي. اسمه دِك فوسبري. وفوسبري لم يكن جيداً كفاية. جيّد ليصل إلى الأولمبياد مع قلّة المواهب الأمريكانية الصاعدة في تلك الأيام. ولكن ليس جيّداً كفاية لينافس الروس والصينيين ويأجوج ومأجوج.

في تحضيراته للمسابقة اتضحت نقاط قصوره جيداً. الفشل اليومي في تحقيق أبسط الوثبات التي تتطلبها التمارين. فشل رايح، فشل جاي.

وفي لحظة ما، تأتي من إحساسه بأن ليس ما لديه أن يخسره. خاربة خاربة. كما تقول الأغنية. جرّب أن يعكس القفزة المعتادة. بدل أن يقفز بجسده إلى الأمام. قفز بظهره.

أنت الآن معتاد على هذه القفزة الغريبة. غير طبيعية. ما رأيت غيرها على الشاشة. لكن في ١٩٦٨؟ جنّ الجمهور والحكام والمشاهدون عندما رأوها لأول مرة. جنّوا لأنها أضحكتهم وفاجآتهم، وجابت لفوسبري، الذي لا يحسن القفز، الميدالية الذهبية. الأشياء التي يحبّها القلب ولا يحسنها غيّرت رياضة الوثب العالي إلى الأبد.

في حياتك سلسلة من الأشياء التي يحبّها قلبك. ولا يُحسنها.

تأتي للآخرين سهلة. كأن تذهب إلى مكان جديد دون أن تشعر وكأنما انتزعت منك لعبتك المفضّلة. لا تريد أن تذهب للمكان الجديد. تريد مكانك القديم.

نعم. قد تأتيك بيسر بعض الأشياء التي يجد الآخرون تعسّرها. لكن هناك نوع ما من الصعوبة الملتوية التي لا يفهمها إلا من جرّبها، في أن تقف أمام الأشياء التي يبدو أن العالم بأكمله قد اتفق على سهولتها، وتغرّز.

تكبر وتنضج. وتعرف أن هذه الرحلة الخفيّة يشاركك فيها آخرون موزّعون على الكرة الأرضية. لكنك في مراحل تكوينك، في ذلك الصباح الصعب من أيام المدرسة، أو تلك الليلة التي قضيتها في غرفة مظلمة يختلس النظر إلى جلستك الساكنة فيها نور الشارع.. لم تجد أحداً. كنت وحيداً بشكل كامل. بشكل مطبق. بشكل صامت وصلد ومصمت.

بعد سنوات طويلة. بعد عِشرة طويلة مع عشرات الأشياء التي يحبها قلبك ولا يُحسنها، تمسك بجوالك. تحكي حكايتك وحكاية فوسبري. ربما تخترق كلماتك عزلة أحدهم، في الثالثة عشرة من العمر أو التاسعة عشر. أو الواحدة والعشرين. أو ربما لا تفعل. وجودها جيّد كفاية. وجودها يكفي.

– اللوحة، مقتطعة، للرسام المصري سيف وانلي.