تستيقظ أحياناً وكأن في رأسك إناء من الزئبق. ثقيل، ويحتاج أن تحافظ على اتزانه.
تتحرك ببطء. كل الخطوات التلقائية في صباحات أخرى تصبح خطوات مدروسة تفكّر فيها قبل ما تعملها. القدم اليمين على الأرض. الآن دور القدم اليسار. شوي شوي. لا الزئبق يتكبّ.
فنجان من القهوة يمكن أن يعيد الأمور إلى طبيعتها. لكنّك تنفر من القهوة على الريق. تتحمّل ثقل الوعاء ساعات الصباح الأولى. يرن هاتفك، تظل تحدّق في الشاشة لثوانٍ طويلة، ليس لأنك لا تريد الرد، لكن لأنك لم تستوعب بعد كيف يحدّثك الناس وأنت في هذه الحال.
تذكّر نفسك أن اليوم خميس. وقت مناسب لتستجمع طاقتك وتتعامل مع الأمور العالقة في العمل. تخطر ببالك مهمّتين. تقول: يارب خليني أستطيع أعملهم اليوم، لأنه يبدو إني ما أستطيع.
تفطر على تفاحة. عقلك يتحوّل إلى سيدة أمريكية من أصل أفريقي تسألك بالإنجليزية وهي غاضبة: هل تظن أن التفاحة تفي بالغرض؟ هات لنا قهوة ولا شوكولاتة ولا فطور مليان نشويات. وأنت لا تريد. تريد التفاحة بغلافها الأصفر الهادئ. تريد أن تصبر على صعوبات اللا-اتزان وأن تحاول، قدر الإمكان، أن تتخذ قرارات سليمة في هذه الأثناء.
تعاود الاتصال بمن لم تردّ عليه قبل ربع ساعة. تكتشف أنه يريد تعجيل أمر وتأخير أمر آخر في العمل. معقول، طلب معقول. المشكلة هو في هذا الصباح اللامعقول. تقول له أبداً ولا يهمّك، نصف ساعة وتكون عندك.
تحدّق في الفراغ لخمس دقائق فقط. تصلّي على سيدنا النبي. تقوم من مكانك وتبدأ اليوم لأن العالم لن يستطيع أن يستوعب أن إناء الزئبق يمنعك من الحركة.
الأغنية لسيّد درويش. يروق لي أسمعها بصوت حمزة نمرة.