يا عاقد الحاجبين

الجوارب التي ارتديتها صباح اليوم تحمل رسوماً قبليّة لم أنتبه لها من قبل مع إنها عندي منذ مدّة. أعتبرها رسالة وأحاول أن أبثّ في أضلعي الحماسة وأقول أنها نداء الحرب. ولم أفلح.

هل تعرف أنك تستطيع أن تحوّل أي رسمة إلى ما يشبه الرسوم القبلية إن راكمت المثلثات فوق بعضها؟ أفقياً أو عمودياً لا مشكلة. تعطيك انطباع العشائرية فوراً. هذا اكتشاف متأخر وصلني قبل أسابيع عندما كنت أعمل على نمط بصري ليتبعه المصمم قائم على المثلثات. كلما جربت رسمة ما تروق لي تحوّلت، بمجرد أن أضيف مثلّث على مثلّث، إلى وشم على ذقن سيدة من قبائل الطوارق. ولساعات لم أستطع معرفة ما الخطأ الذي ارتكبته لتتغيّر ايحاءات النمط في لحظة.

قبل أسابيع، أيضاً، عملت مع شركة كان لديها قدرة جيّدة على على التقاط توجّه ما قبل أن يُكتب له الذيوع في المجال بشهور قليلة. فإن ذاع، التفت إليها الناس على أنها أول من أتى به للسوق.

قلت طيّب، لنحوّل هذه القدرة التي تثبتها الأمثلة لمنهجية واضحة كمرجعية للفريق. وتذكّرت أن دانيال بنك قد أصدر قبل سنوات كتاباً عن التوقيت، وكيف تستطيع أن تختار التوقيت المناسب. بس، عرفنا المصدر. ابتعت الكتاب وقرأته. لم تكن فكرته كما ظننت ولم يجب عن أسئلتي بشأن المشروع.

الكتاب كان عن التوقيت بشكل عام، وعن أهمية الوقت في قراراتنا وطريقة ترتيبنا لمعيشتنا. ربما. لست متأكدة لأن الرجل، بِنك، يدوّخك ولا يعطيك هو ايش يبغى بالضبط. ليست جديدة عليه الحكاية، كتابه الذي سبق ذلك كان عن المبيعات، وتلقّيته وقتها بحماس شديد ولكني وجدت فيه نفس ” الرغي” الذي يبدو مفيداً- وهو مفيد فعلاً لو قرأته للمعرفة العامة- ولكنه لا يصل بك إلى مكان واضح.

المهم أن الكتاب تحدّث عمّا يسمّيه ” تأثير البدايات الجديدة”. في البداية يقسّم البدايات الجديدة إلى نوعين من ” المواسم”، إن جاز لي تسميتهما بذلك. مواسم اجتماعية يتفق عليها كل الناس. بداية الأسبوع. الشهر. السنة. ومواسم شخصية. عيد الميلاد. زواج، طلاق، استقالة، عمل.. ما إلى ذلك.

النوعان من المواسم، شخصي أو اجتماعي، تسمح لك بأن تفتح ” حساباً عقلياً” جديداً. بداية على ميّه بيضا كما يقول المصريون في مسلسلات أسامة أنور عكاشة رحمه الله. كأنك أغلقت حساب الفترة الماضية وبدأت حساباً جديداً لست مثقلاً فيه بمديونياتك ومصاريفك السابقة. نضع ” حكاياتنا القديمة” وشخصياتنا التي خاضتها، بأخطائها وإهمالها والأمور التي تمنينا ألا تكون، على الرف. هذه ليست نسختي الحالية، نسختي الحالية أطيب وأجدد. وستقوم بكل ما أتمنى منها القيام به.

الأمر الآخر الذي تتيحه المواسم هو أنها تنزعك قسراً من انغماسك بالروتين وإدارة حياتك اليومية لترى حياتك كاملة قطعة واحدة. رؤية واحدة. تسمح لك بأن ترى سنواتك أمامك بدل أن تغوص وسطها.

وفي كل الأحوال- وهذا مربط الفرس- أدمغتنا غلبانة، أو شديدة التطوّر ولله الحمد، حسب رؤيتك للموضوع.. لأننا نستطيع أن نعيد تصنيع بدايات جديدة، ليس بالضرورة مرتبطة بالبدايات المتفق عليها، لنتعامل مع بدايات سابقة متعثّرة أو لم تمر كما نريد.

إيزابيل الليندي- لا ما قرأت لها لسه يا هيفاء- كتبت رسالة لجدّها الذي كان يرقد على فراش مرضته الأخيرة في ٨ يناير ١٩٨١. بعدها اعتمدت على نفس الرسالة لتكتب روايتها الأولى. ومنذ ذلك الوقت بات يوم ٨ يناير هو موسم البدايات الجديدة في رواياتها. تبدأ كل مشروع روائي في هذا اليوم تحديداً. يعني بالعربي اللي مش حقيقي عربي. مخّها اتبرمج على كده.

إن كان لديك أمر متعسّر وتودّ البدء فيه من جديد، ربما يمكنك استخدام هذا التكنيك. ضخّ قصة شخصية ذات معنى في يوم عشوائي لتتذكره على أنه الخطوة المليمتيرية الأولى التي قادتك لنهاية الألف ميل.

أعود لنداء الحرب ” خاصّتي” كما يقول المترجمون العرب. كنت أود أن يكون هذا النداء متعلقاً بقبولي لأمر ما أجد صعوبة في تقبّله، وفاجأني هذا الصباح فيه. قلت طيّب، لنتعامل مع القصة الأولى التي يضعها العقل لهذا الأمر، الـshitty first draft حسب برنيه براون، ثم نأتي بقصة جديدة أطيب منها تعينني على القبول بدون أن تفلت أعصابي. خلّي اليوم يعدّي على خير. وبالفعل. طيلة طريقي إلى موعدي وأنا أكتب في هالنوتة على الجوال كي أجد القبول. ووصلت إلى قصة معقولة فعلاً. لا تدفعني للرقص طرباً بالأمر، لكنها معقولة. مر النهار، مبدئياً، بشكل طيب. لكنّي في آخره خرّبتها وانفجرت انفجاراً مصغراً للغاية ويمكن احتوائه. كنت أفضّل ألّا أفعل، لكني فعلت.

أكتب هذه التدوينة بدلاً من أن ألتفت لغدائي. من ناحية لست جائعة بعد. من ناحية أخرى، لا أود أن أكسر التتابع، واليوم يزورني ضيوف أعزّاء قادمون من سفر، فاحتمالية أن أعود قبل منتصف الليل لأنشرها معدومة. جيّد أنني كتبت.

شكراً لاستماعكم، يامن تستمعون.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s