من صباح اليوم ودوا ليبا، بدون إنذار ولا سياق، تصرخ في أذني ” دونت بي هز فرند دونت بي هز فرند” من أغنيتها المشهورة. لم أسمع الأغنية قريباً، ولا عندي قصّة معيّنة أحتاج فيها إلى هذا التحذير. ولست أعرف لم عقلي اختار هذه العبارة اليوم تحديداً من دون الأيام لتومض في وعيي لساعات كسيارة إسعاف.
اليوم مش من الأيام السهلة. الحمدلله على السعة والعافية. متأخرة في عملي لأسباب خارجة عن تحكّمي. أواجه مسائل عائلية عالقة وأحاول أن أتعامل مع سيناريو مش مثالي بطريقة طيبة. أفلح ساعات. وأعود بخفّي حنين ساعات أخرى.
الساعة الرابعة عصراً قررت أن خلاص. إذا سأل أحد عنّي قولوا له تشاهد فيلم ذا كاندي مان. وهو فيلم رعب ثالث لجوردان بيل. شاهدت الفيلم الثاني وخفت أكثر من اللازم، مع أني شاهدته مع صحبة حلوة، فلم أنهيه. أما الفيلم الأول، جِت آوت، فهو فيلم الرعب المفضل عندي.
من ناحية لأن الفيلم نفسه يروق لي. ومن ناحية ثانية لأني كنت أعرف مسبقاً أنه آتِ من صانع أفلام أمريكي من أصل أفريقي، وهذه تركيبة عجيبة تثير اهتمامي. لابد أن القصة ستكون بنظرة تختلف عن أفلام القتلة المتسلسلين أو الأشباح، المواضيع المفضّلة لصناع الرعب البيض.
القصة تعزف على أوتار ذكيّة ومفصليّة في وعي الأقلّيات. على الأقل هذي تجربتي الشخصية مع الفيلم. تخاطب ليس فقط العرق أمام العرق، قضية الأمريكان الجوهرية، ولكنها أيضاً تتعامل مع مسائل الانتماء، التعايش، ورغبة الآخر صاحب الامتيازات فيما بيد الفئة المحاصرة. ليس طمعاً في الامتياز نفسه، ولكن في الأسطورة المحيطة بالامتياز. هي، بشكل أو بآخر، نفس الخلفية التي تدفع أبناء الأثرياء للتأكيد على أنهم قد بدأوا من الصفر. وهي نفسها التي تدفع بالصديقة الأقل حكمة لأن تبدأ حديثها عندما تظن أنها تواسيك بـ” على الأقل أنتِ كذا، شوفي أنا كذا وكذا”.
بعد أن شاهدته ذهبت في رحلة قصيرة للتعرّف على الكاتب والمخرج. جوردان بيل. لابد أن وجهه مر عليك سابقاً لأنه وجه مألوف الظهور في أفلام ومسلسلات. أحب كيف أنه، بيل هذا، ممثل موهوب. لكنك بمجرد أن تشاهد الفيلم تحس برغبة في أن تقول له من فضلك لا تضيّع وقتك في التمثيل. ركّز في الكتابة والإخراج. وأحب كيف إنه وصل معنا لنفس الخلاصة. في ٢٠١٧ كان الفيلم. في بداية ٢٠١٨ قرر اعتزال التمثيل.
هناك نموذج ما أجد فيه أن صاحب الحرفة الإبداعية ينتج وينتج وينتج، والناس تتقبّل إنتاجه برحابة. ولكنه في لحظة ما، ينتج شيئاً يفكّ شفرة اختلافه للآخرين، وربما لنفسه أيضاً. بدون قصد منه ولا تخطيط. ماهي الحكاية لو كانت تصحّ بالتخطيط، لكان قد خطط لها منذ زمن. يعني جوردان بيل بدأ رحلته في التمثيل في ١٩٩٩، ووجد فرصته الأولى في ٢٠٠٣ في برنامج كوميدي لاقى نجاحاً لابأس به لغاية ٢٠٠٨. ومن ٢٠٠٨ لغاية ٢٠١٧، ٩ سنوات، شارك في مشاريع عدة، أغلبها كوميدية، لكن كان من ضمنها ظهوره في فارجو، ودوره أيضاً يُصنّف هناك ضمن الكوميديا السوداء. ما الذي قاده للرعب؟ لم أجد إجابة على السؤال عندما بحثت. لكنه أخيراً استعد لأن يصنع شيئاً آخر، وصنعه فعلاً، وفكّ فيه الشفرة.
لم أكمل مشاهدة ذا كاندي مان أيضاً. وقعه كان أقوى من أن أشاهده لوحدي في عصرية يوم عمل. هناك أشياء لا يجوز القيام بها دون الرفقة. مشاهدة أفلام الرعب أوّلها.