أودّ أن تكون عندي القدرة المعجزة في أن أنتج شيئاً إبداعياً يشبه ” والله ما عايز” لكايروكي كل مرة يخفت جمال الدنيا في ناظري. تبدو أمنية مستحيلة. إذا كايروكي أنفسهم ما عرفوا يعملوا غير واحدة من هذا النوع في كل مشوارهم الفنّي. مع ذلك، التمنّي، والدعاء، فيهما فسحة الأملِ.
قبل مدّة أطلقت الفرقة ألبوماً يحوي تسجيلات أغانيها بتوزيعات مختلفة، صيغة تجريبية خام. سارعت لتصفّح الألبوم وبي لهفة. أن تكون لدي نسخة جديدة من أغنيتي المفضّلة التي تتجاوز كونها أغنية لتصبح قاموس حياة. حتى وإن لم تكن بجودة الأولى، حتى وإن كانت تفكيكاً لها. لا مشكلة. الغريب أنني لم أجدها. هل لأن الأغنية لم تجد رواجاً بين مستمعيهم؟ هل لأنها أقل أهميّة- في نظرهم- من بقية أعمالهم؟ لا أعرف.
ما أعرفه هو أن هذه الأغنية تعني لي الكثير، وهي الأغنية التي سمحت لي باقتحام عالمهم الفنّي من الأصل، لأن غناؤهم وتوزيعاتهم الموسيقية غريبة على أذني ولا يستسيغها ذوقي فوراً. لكني ” جعلته” يستسيغها ويحبها بعد هذه الأغنية. ولازلت أستمتع باكتشاف أعمالهم وتعويد أذني عليها.
أتذكر جيداً صدور كتاب “ ري- ورك/ تنقيح” ل٣٧ سيجنالز في ٢٠٠٨. وقتها كنت في بداية مشواري، وفتّح الكتاب عيوني على رؤية ثورية لأسلوب الحياة والعمل. الآن تبدو تعاليمه، حتى لي أنا، مستهلكة وأمريكانية أكثر من اللازم. لكن وقتها؟ وقتها كانت له قيمته، وأحتفظ بجميله علي في قرارت مهمّة صاغت حياتي المهنيّة لسنوات. من أفكار الكتاب الثانوية، الجميلة لازالت، هي فكرة أن الناس مهتمة ليس فقط بمشروعك النهائي، ولكنها أيضاً مهتمة بـ نشارة الخشب. الهوامش التي تتطاير من يدك وأنت تنحت مشروعك. الإضافات والمحذوفات التي لم تجد طريقها لمنتجك الإبداعي بصورته النهائية. وبناءً على هذه النصيحة الذهبية، انطلق جمهور الكتاب في عرض الغالي والرخيص من الأشياء التي هي- تقليدياً- مفترض أن تكون حبيسة الأدراج.
الزاوية التي يعرضها الكتاب عن نشارة الخشب هي زاوية تجارية بحتة. لم لا تنتهز كل الفرص، مهما صغرت، كي تبني سمعتك وتلمّ جمهورك حولك. هذه زاوية، مع جدارتها، لا تروق لي كثيراً. تروق لي زاوية أخرى.
في فيلم “ جولييت نيكد “، أرق وأذكى وأجود الأفلام الرومانسية التي صدرت السنوات الأخيرة (٢٠١٨)، يجنّ جنون آني عندما يصر شريكها على أن مسودّة أغنيته المفضّلة تقارب جودة الأصل. كيف يُعقل أن يكون العمل غير المكتمل، شخبطة الكشكول، أفضل من الأصل؟ أو هكذا قالت آني.
صح يا ستّ آني. المسودّة ليست أفضل من الأصل. لكن حصولنا على مسودّات أعمالنا المفضّلة، أو الخلفية وراء القرارت الإبداعية التي سمحت للعمل بأن يكون كما عرفناه، تقصّر المسافة بيننا وبين العمل الإبداعي في علوّه. تجعله أقرب. أدفأ. أودّ. وألذ. وهي بالتالي تصبح جزءاً لا يتجزء من معرفتنا بالأصل وتاريخنا معه. تجيب على أسئلتنا، وتمدّ الوقت الذي نقضيه بصحبة أشيائنا المفضّلة. تدفعنا للظنّ الخجول بأننا قد صرنا شركاء ومتآمرون مع صاحب العمل نفسه، شلنا وحذفنا وأضفنا وطوّلنا معه، مع إقرارنا الكامل بأن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. لكن نحبّ. والله نحبّ.