ملاذ في الأنواء

مجوهرات والدتي اللي تشتريها لنفسها كلهم سواسية في عيونها. خاتم بعشرين ريال مثل الخاتم بألفين. وكان هذا أمراً محيّراً لي عندما أشهده. تحديداً عندما يضيع، مثلاً، خاتم العشرين ريال، فأجدها متضايقة جداً، وتبحث عنه بكل جدّية كما لو كان بأضعاف ثمنه.

وكنت أفكر: طيّب فداكِ. ولا تزعّلي نفسك. وكنت أفكر: ثمنه الزهيد أدعى لئلا تشغلي نفسك بوجوده من عدمه. ثم تضيع القصة بين قصص الأيام الأخرى، وأنسى الفكرة والحيرة.

ثم، حصل أنني كنت أتساءل عمّا أرتديه في مناسبة ما، وشاركت حيرتي مع والدتي. قلت الفستان كذا، لكني لا أعرف الاكسسوار الذي يرافقه. قالت لي تعالي، وفتحت لي الأدراج التي تحتفظ فيها بمجوهراتها. صندوق وراء صندوق، وكلها جميلة حتى تلك التي لم تكن على ذوقي، لكنها لا تتناسب مع الفستان الصعب. لغاية ما وصلنا لتعليقة فضّية يغلب على فضّتها السواد، مطعّمة بأحجار ملوّنة. قطعة كأنما صُممت خصيصاً لفستاني. سألتها عنها فابتسمت وقالت أنها اشترتها من فلانة بمبلغ بسيط قبل خمسة وعشرين سنة.

ولسبب ما، هذا السياق سمح لي بأن أفهم. غلاوة القطع التي تختارها والدتي لنفسها لا يُقاس بالمال. سعرها أمر جانبي. مقياس الغلاوة ووحدة قياسها هو الشوف. وهذا مقياس، لو تعلمين يا فاطمة، أمره عظيم. ليس كل ما تراه والدتي مستحقاً لأن ينضم إلى أدراجها، ولكن ماتراه مستحقاً للضمّ، شَوفها له هو ما جعله ذهباً وليس السعر.

نعيش وسط معمعة. هناك الكثير من المفاهيم التي اختلطت علينا وعلى أهالينا. والقابض على المعاني الطيبة والواقف على الأرض الثابتة يتعامل مع الكثير من الهزّات والتساؤلات والضغوط التي تشوّش الرؤية وتفرّغ الأشياء من أصولها وجوهريّتها. ووسط هذا كله أفكر في أمري وأمور آخرين ممن أحبّ، وأسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن تكون دائما وحدات قياس الأمور عندنا هي وحدات حقيقية وصائبة ومناسبة، وليست بالضرورة الوحدات التي تعارف عليها الناس، لأن الكثير مما بات متعارفاً عليه، وسط هذه المعمعة الحسيّة والمعنوية، هو جزء من ضباب. يحسبه الظمآن ماءً.