تعبير ” السفن التي تلتقي في المساء” كان في المساء لأن الظلام يستدعي من السفن الالتقاء والتنبّه للمارة. في الظلام تقع الحوادث، أما النهار، فالكل يرى، ولا يحتاج لأن يحرص كلٌ منّا على نفسه وعلى صاحبه.
أفكر في هذا الصباح بالسفن التي التقيتها في المساء. وأفكر في تشبّثنا بالبقاء في هذه النقطة البحرية وإن مرّ عليها الوقت واختلفت الظروف. السفن التي تلتقي في المساء ليس مقدراً لها، غالباً، أن تظل تلتقي وقد طلع النهار. من الطيّب أن تمر أنت وتتركها تمر. ألا تفسد شاعرية المساء بمرارات النهار ومطالباته.
في النهار الرؤية أوضح، والازدحام أكثر. وأولوياتنا هي لمن معنا في الأسطول. التزاماتنا الأسرية وأصدقاء العمر. نحتاج لمراجعة دورية لما يعنينا، نحتاج أن نتشبّث بما يهمّنا من العمق، واللقاءات العابرة تظلّ في ملفّها، لقاءات عابرة نمتنّ لها، نذكر أصحابها بالودّ والخير والدعاء، ونأمل أن يكون الحال عندهم كذلك.
ولكنّ الأصيل يثقله الجميل. يربطه في أرضه، في المرحلة التي عدًاها الوقت وتعدّتها الحكايات. وهو ثقل في الحالتين، فيما أظن. في أن تهب الجميل، وتبعد عن السفينة العابرة ضباب الرؤية وخطوط الأعداء كما هو في أن تتلقى الجميل، وأن تنقذك سفينة عابرة من الارتطام بشطّ أو جبل. وأنا للآن لم أجد خطّاً فاصلاً، عقلياً وروحيّا، يحلّ هذه المسألة. أو يوافق إحساسنا بالجميل، واهبين ومتلقّين، بأن الدنيا تتغير، والأشياء تتحرك، والنقطة التي كنّا فيها قبل سنتين أو خمسة أو عشرة، لم نعد فيها اليوم.
عندك، يا سيّدتي العزيزة، حل؟
العنوان من أغنية لغسّان صليبا.