تلّ هذا النهار

منذ الأمس وأنا أفكر بنظرية الأشياء الصغيرة. أحياناً يبدو لي أن القواعد العريضة للتفاصيل الصغيرة فكرة جيدة للغاية. تحسّن من جودة الحياة. وأحياناً تبدو الفكرة نفسها تحدّك، وكأنها لاتسمح لأفقك بالاتساع. والاتساع، وإن أتى بتجارب ليست دائما مُثلى، هو أولوية ذات معنى.

كنت أرتدي تيشرت أبيض كلاسيكي في صباح الأمس. وأعني بالكلاسيكي أنه برسمة عنق مثلثة، بدون رسومات أو ألوان. وقررت أن مايناسبه هو قلادة مفضّلة عندي، في تعليقتها رسمة طبيعية يغلب عليها لون أخضر قاتم. لكني لما ارتديتها شعرت بالضيق. ضيق صغير، صغير للغاية، يشبه الضيق الذي أشعر به كلما ارتديت قلادة أخرى أحبها وفيها حجر كحلي. ضيق رفيع صغير لا يلتقطه راداري حتى. إلا بالأمس التقطه وصنّفه بهذا الاسم.

لم الضيق ياتُرى؟ اتضح أن طول السلسلة نفسها لا يناسبني. هو مناسب للتعليقة، ومناسب لمعايير الموضة، ومناسب لمقاسات ما أرتديه، لكنه لا يناسبني. أشعر بأنه يحدّني. ولم يخطر ببالي يوماً أن أغيّر سلاسل العقود التي أرتديها بناءً على السعة التي أحتاجها، لا معايير النظر ومناسبتها لمقاسات الثياب ورسمة العنق.

من الجيّد أن لدي سلسلة ذهبية طويلة لا أتذكر متى ابتعتها. غالباً ابتعتها لأنها مناسبة لفستان أود ارتداءه مع تعليقة قديمة أمتلكها مسبقاً، لأنها في صندوقها بدون تعليقة تخصها. جربت أن أرتديها مع التعليقة الخضراء. وتنفست الصعداء.


أستيقظ اليوم وعاتقي ينوء بالأعمال التي تطلبني حقوقها. أكتب هذه السطور وأنا أتساءل إن كنتِ تقرئين وتشعرين بظلال مزاجي. ولكني أكتب على سبيل المقاومة. أفتح شباك وأتذكر أن في نهار وأنني لا أود أن أنهار تحت وطأة ملل الأشياء وضغطها.

من الخطوط العريضة التي أود أن تقود قراراتي المهنيّة لهذه السنة، إن شاء الله، بناءً على مراجعتي للسنة الماضية، هي أن أذكّر نفسي دائماً بأن الجمال مختلف عن التمام. التمام موضوعي، بينما الجمال طبقة إضافية شخصية يمكننا الاستغناء عنها، بل وأحياناً من الضروري الاستغناء عنها.

التمام قائمة بالمطلوبات التي تحاول أن تؤدّيها بأحسن وجه تمكّنك منه قدراتك ومعارفك وظروفك والوقت المتاح. أمّا الجمال فهو إضافتك الشخصية التي تعبّر عن السياق الذي ترى التمام يخدمه. السياق هو قصة، هو لون، هو لذة عقلية مهمة لك كحرفي، لكنه لا يخدم المتلقي دائما. ما يخدم المتلقي- العميل- هو حصوله على مايريد، بشكل معقول، في الوقت الذي يريد.

وبالرغم أن هذا التفكير يتعارض مع الطريقة التي أدرت بها حياتي المهنيّة إلى اليوم، إلا أني أراها مناسبة لظروف المرحلة المتعملقة. للعملاء الذين يعانون هم أيضاً من متطلبات السوق الضخمة. وآمل أن صبري على هذه الفكرة رغم أنها ليست مفصّلة على مقاسي، يدفعني لنمو طيّب، ومساحات عقلية مرنة. وآمل أيضاً أن تكون الخلاصة التي أصل إليها في نهاية الطريق تضيف إلى مخزوني الجوهري من معاني العمل والحرفية والخلق.

بسم الله.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s