أحب مفردة النوى عندما تعبّر عن الريح في العربية. لكني أحبها بودّ وشاعرية أكثر في السياق المصري. في مسلسل قديم لفردوس عبدالحميد ما أتذكّر منه سوى انشداهي باسمه. النوّه. وشفيقة لما تقول:
” أنا والهوى. كنّا سوى. والدنيا كانت ملكنا. فاتت نوى. خدت الهوى. وضيّعتنا كلّنا”.
كيف يمكن لفكرتين متضادتين في الاتجاه أن يتفقا في المعنى؟ هناك مقولة- مِه- أمريكانية بهذا الشأن، أن من دلائل العقل اليقظ قدرته على حمل متناقضين في آن واحد.
أتعامل، كمشاهد قريب من المسرح، مع حكاية شخصية فيها شهم. شهم رغم المتاعب والتكاليف المتعلقة بهذه الشهامة. شهم والحياة صعبة ومُريعة أحياناً، والواحد فيه اللي مكفيه. شهم. رغم أنه ليس مضطراً لأن يكون كذلك. بل رغم أنه مضطرّ لئلا يكون كذلك. وبتّ أفكر، كيف يمكن لهؤلاء الناس، في هذه المواقف، أن يأخذوا الكتاب بقوة، هل لأنهم أُتوا بالحكمة منذ الصبا؟ كيف يمكن أن تتحمل كتفٌ ما كل هذه الأعباء، عبء الحماية، عبء النَفرة، عبء الوقوف كطود أمام مخاوف آخر، دون مصلحة؟
ثم فكرت، في حالة الشهم الذي سمعت بشهامته، أنه- غالباً- لا يمارسها بشهامة. يمارسها باندفاع وبحمية وبدون التفات لأي خيار آخر.
الجيل الأول والثاني ممن عرفت من أهلي، حفظهم الله ورعاهم، يهتف الواحد منهم، عندما يرى ما لا يرضيه، مستنكراً قائماً من مكانه ليعيد الحق لمكانه: “أبو هاشم!” أو ” أنا أبو هاشم!”. يقول والدي أن العبارة تأتي لأن جدّنا عبدالمطلب بن هاشم، والواحد مننا، بالتالي، أبو هاشم. وأبو هاشم لا يقبل العيب على نفسه ولا الظلم على من حوله. ردة فعل نريد أن نؤمن أنها أشبه بقوانين الفيزياء أو البيولوجيا.
ولكن.
قدر ما أحب فكرة الشهامة التلقائية. فكرة الشهامة الإجبارية، فكرة سريانها في العروق مسرى الدم، أحب أيضاً فكرة الشهامة عن سبق إصرار وترصد. وأجدها أكثر قرباً مني كإنسان، الشهامة التي تُمارس بشهامة. التي تتجاهل وعود الراحة وتكبير الدماغ، وتُقدم بتأنٍ وبعقل بعد أن تضع في اعتبارها الاختيارات الأخرى، وتصدّ عنها. هذه أيضاً ” أبو هاشم”، ولكنها بدون علامة تعجب. وقدر ما أثق في الأولى، أثق وأحترم الثانية.
لولا المشقةُ، يقول المتنبي، سادَ الناسُ كلّهمُ. الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قتّالُ. والريح شديدة. الريح شديدة يا سيّدتي، لكن الوتد ضارب عمق الأرض. علّه لا يُقتلع.