تمر علي أوقات من حياتي أستقبل فيها رسائل لم يكتبها أحد. ولكنها رسائل تدفعني لتمحيص بعضاً من قراراتي، بعين تدّعي الحياد، وكل ما تحمله هو ازدراءٌ قاسٍ وقسوةٌ مزدرية. لي وللطيبة التي أودّ أن تعمر بها أيامي.
ولربما في يومٍ ما أعرف من أين تأتي هذه الرسائل. وكيف بنت هذه العين نفسها طبقةً طبقة، مرآة فوق مرآة، لتصل بي في هذه الأوقات إلى هذا المكان. جايب هالقساوة منين، منين يا طيّب؟
هناك علاقة طردية بين وعينا بذواتنا وعفاريتنا الداخلية. أعتقد.
عيوني ليست قاسية. كلماتي لنفسي، قدر ما أستطيع وأجاهد، تزرع الأخضر، وتعتني باليابس. لم إذن يتشكّل هذا العفريت الذكي، الذي يفصل نفسه عنّي. صوت آخر. لمّا تهذّب صوتي الداخلي، فرّ منّي واختبأ في الأروقة. يستجمع قوّةً ما لا أعرف مصدرها. يخاطبني بعقلانيّة شريرة (أوي) ويباغتني بها في لحظاتي الآمنة.
كلما ازداد وعينا، باغتتنا عفاريتنا.
ولكني لا أريد أن أتعارك مع عفاريتي. مهما طغت في عنفوانها وتجبّرت، تهشّمها الرقة. أفهم أنها وسيلة ما، من ذلك الذي تقول عنه الآية الكريمة أخفى من السر، وفسّرته معلمتي في مرة بأنه اللاوعي، وسيلةٌ هي، ملتوية ومعقّدة، لحمايتي من أشياء.
عفاريتي تريد حمايتي، وهي في طريقها لحمايتي تدوس على طرف ثوبي فتتعثّر وأتعثّر. لكن لا بأس. مادام الوسع موجود، ومادامت الأيادي التي أتشبّث بها وتتشبّث بي حاضرة. أقوم، وأنا في أفقي دائماً سدادُ الخطى.