جسر بلا ماضي

الحقيقة الصادمة هي أنني، وعلى مدار سنوات طويلة من العمل الحرّ، كنت أعمل مع قطاعات مختلفة لا أحتفظ بذكريات مُلهمة كثيراً عنها. هذه عبارة مهذبة لوصف الحال، لكنها أيضاً مُنصفة ولا تسم الأمور بطابع شخصي لا ضرورة له.

هذه الأيام أحاول أن أكون بذاتي الحقيقية في العمل على مهل، وليس نسخة جامدة مُختارة بعناية كي أحتفظ برواق حياتي الحقيقية خالصاً لنفسي وللدائرة المقربة مني. وعندما أحاول أن أمدّ الجسور بين مشاريعي الماضية وحاضري، أجد الصفحة بيضاء تقريباً.. وكأنني أبدأ من الصفر، بلا ماض. ولست متأكدة أن هذا التخيّل يروق لي أيضاً.

غالباً لأنه ليس الحقيقة. ولكنه يبدو وكأنه حقيقة.

ماذا عن أولئك العملاء الذين ظلّت سيرتهم العطرة في الذاكرة؟ هناك خمسة أو ستة أسماء.. ربما أكثر قليلاً، لازلت أحتفظ لهم بكثير من المودّة الشخصية، وأرجو أن يكون مستقبلي عامراً بالتعامل مع شخصيات مثلهم. مع ذلك كنت حريصة في وقتها على أن تظل الجُدر عالية وحاضرة بيني وبينهم. لا يرون مني سوى ما يخصّ أعمالهم. أي محاولات لفتح النوافذ والأبواب كانت تشعرني بكثير من عدم الارتياح، وأحتاج لصدّها بتهذيب.. لكنّه في النهاية صدّ. الشخصيات الوحيدة التي ظلّت بحياتي للآن من سنوات الريبة هي شخصيات شاهدت صدّي ولم تعبأ به. لم تصلها الرسالة، أو كانت ماكرة- المكر الطيّب الصبور- لتواضب على الحضور من وقتٍ لآخر. هذا استثمار- من ناحيتهم- أشعر بكثير من التقدير لأجله، ولكني أعرف أيضاً أن لا شخص مجبور عليه.

فأن أعود لفتح الأبواب التي حرصت على سدّها؟ لا ترضاها مرؤتي عليّ، ولا على الآخرين. خصوصاً أنها قد تُفسّر، احتمال ضئيل ولكن وارد، أنها رغبة في تجديد العلاقات المهنيّة للحصول على مكسب ما. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، بالتالي تظل التحايا الودود متوجّهة إليهم بدون أن يتلقوّها فعلاً. لا بأس، ليست لدي مشكلة مع هذا.

لم أكتب بهذه الصراحة، وأنشر الكلام على الملأ؟ أعود لأسأل نفسي مرة واثنين وثلاثة. هل أنت متأكدة. فاطمة. هل أنت متأكدة. ما الفائدة أصلاً. وأجيب بأنني لست متأكدة. لا ولست متأكدة أن هناك فائدة تُرجى لمثل هذا الكلام. لن أعتب على نفسي إن تذكرت ما نشرته بعد ساعات فشعرت بالهلع والـ ڤورنبليتي هانج- أوڤر كما تصفه برنيه براون. والفائدة ليست في المحتوى. ٩٩٪؜ منكم لم يمرّوا بما أتحدث به، وأشكّ أن الحديث مفهوم بكل زواياه لأن التجربة خاصة جداً وتنطلق من تقاطع بين سماتي الشخصية وحياتي العملية التي لا تتفق خطوطها مع المسارات الوظيفية المعتادة. لكن في كل الأحوال، لا أنوي أن أضع حدوداً لاستكشافي للفضاء العام. مجرد رغبتي في استكشافه، وأنا المتحفّظة التي لا تأبه بالمشاركة العامة، مثير للدهشة، ومساحة بنّاءة- آمل- لأتعلّم معانٍ تخصّني، وصيغاً للوصل الإنساني، تغنيني، ولعلها تغنيّك أنت أيضاً.

في النهاية ربما أحتاج للصبر. لا. دائماً نحتاج للصبر. أحب الأشياء على مهل. أجد فيها المعنى والقيمة. لكن هذه الأمور تأتي على مهل المهل. ومن ” لا بأس” إلى ” لاباس”.

جمعة مباركة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s