أميل تلقائياً للناس اللي ” كانوا”.
الناس الذين استطاعوا الوصول لقمّة ما في حياة سابقة، وبعدين، بدل التشبّث بالقمّة رغم أنها لم تعد مُرحّبة بهم مثلما كانت، نزلوا عنها بإرادتهم الحرّة.
فيلم ميوزك آند ليركس عبّر عنهم بعبارة الـ ” has beens”، ومنها أتى وصفي لهم. الناس اللي كانوا. في الفيلم ألكس فليتشر مغنٍ سابق حاز شهرة واسعة في الثمانينيات ثم خبا ضوءه بعد انفصاله عن شريكه الموسيقي الذي استمر في دائرة الضوء. من نجاح لنجاح.
الفيلم (٢٠٠٧) لفتني في الأصل إلى هؤلاء الناس، وربما لولاه لم أكن لأنتبه لهذا التصنيف رغم أن ظروف حياتي، على سنوات، سمحت لي بالاقتراب من شخصيات من هذا النوع. ومع الوقت رأيت أن هذه التجربة الفريدة اجتمعت فيها قواسم مشتركة.
عندهم مرونة عصيّة على الكسر، وعصيّة كذلك على التضليل. لا يغرّها النجاح ولا يُسكرها الاهتمام. هذه المرونة تقيّم المعطيات وتقرأ تضاريس المشاهد المتغيّرة بذكاء. الوقت ما يسرقهم، هم ملتفتين للمتغيّرات حولهم رغم انغماسهم في ظروف حياتهم الشخصية. ربما لأن القراءة هذه في حد ذاتها هي جزء من ممارستهم لحياتهم المهنيّة.
هناك أيضاً قدرتهم- المتفاوتة، لكنها موجودة- بفكّ الربط بين قصة واحدة من القصص التي تشكّل حياتهم (النجاح المهني/ في مجال واحد) وبين قيمتهم الخاصة. وإذا كان الربط يأخذ وقته في الانفصام، ويمر بمراحل ربما من التخريب الذاتي، الانعزال كمثال أو الاستغراق في هواية غير مثمرة هدفها التخدير، إلا أنه يأتي عاجلاً، أو ليس عاجلاً كثيراً، لكنه قبل فوات الأوان مقارنة بالقصص الأكثر شيوعاً عن أولئك الذين غابت لمعة حياتهم بانسحاب أضواء الشهرة عنهم.
وأرى أن هذه القدرة، القدرة على فكّ الارتباط بين نجاح مؤقت والقيمة الشخصية، تأتي من فهم أصيل ولو توارى، بأن الدنيا هذه ليست محسوبة بالأضواء والمال، ولا محسوبة بالقيمة التي يضعها الأغراب لمساهمتك في هذه الحياة. القيمة تُحسب بالفعل الطيّب، وأن حدود هذا الفعل (سواءً كان مؤثراً في ملايين، أو في وجه عابر قابلته في السوبرماركت) لا تؤثر في جدارته.
من تجربتي، وربما هي أيضاً رغبة شخصية، أرى أن الفصول القادمة من حياتهم تستحق النظر والتأمل. أفكر أنهم- على الصعيد المهني- أناس استثنائيون في حرفتهم، فما المانع أن يأتوا في وقت لاحق بشيء جديد، طُبخ على نار السنوات الهادئة، بنضج الوقت وحكمة الخسائر السابقة؟
الحكايات التي أعرفها من حياتي ليست للمشاركة. وحتى لو شاركتها، أشكّ أنني سأنصف أصحابها أو سأفي بحقّ الإلهام الذي يأتيني بمعرفتها. لكن فيلم آخر، من أفلامي الرومانسية المفضّلة لهذا السبب بالذات، يتحدث عن الفصول اللاحقة. جولييت نيكد.
بعد سنوات وسنوات، ضاعت في تجارب شخصية وعلاقات مثمرة ولامثمرة، وضياع وقت ومجهود، يصل بطل الفيلم تكر كرو إلى توازن وموازنة. وبعد التوازن والموازنة هذه، والتي دامت لسنوات، يستطيع أن يخرج من عالم خالٍ من الإنتاجية كما نفهمها كجماهير، ويعود إلينا بألبوم لا يحرّك مياه البحيرة، إنما يطفو معها.
هذا فصل- لمن شاهد الفيلم- مرضٍ وذو معنى، ويكمل القصة. قصة الفيلم بالتأكيد، ولكن الأهم، قصة من ” كان”، واستمر في الكينونة كما يحتاج إليها، لا كما يراها الآخرون في أحكامهم العابرة.
يا الله يا فاطمة يا الله
إعجابLiked by 1 person
صح؟ ♥️🍃 شكراً إنك شاركتيني.
إعجابإعجاب
فعلًا! أثاروا اهتمامي دائمًا، وتدوينتك جعلتني أحصيهم جميعًا في ذاكرتي، ووجدت أني أعترف لهم باحترام وتقدير كبيرين، مهما كانت القمة التي اعتلوها ومهما كان السبب الذي أدناهم منها، الحكمة التي نالوها تجعلني في أحيان كثير أفكر أننا نحن الذين يصعب علينا التخلي او فك الارتباط عميانًا عنها ملتفتين إلى زخرفة القمة وآلام الطريق الذي سلكناه إليها. التخلي قوة، عرفت لماذا! لأن إرشادات الطريق تصبح بمتناول اليد تقريبًا، يسهل على المرء من بعدها أن يصعد أي قمة، لكني أحسب هناك سر مع الإرشادات يحذر من القمم ويعطي جانبها المخيف في حال السقوط او ما قد يكلفه من همم نحن بحاجة إليها في طرق أكثر.
كالعادة يا فاطمة، كلماتك وأفكارك عذبة💘
إعجابLiked by 1 person
ايش هاللفتة؟! إرشادات الطريق للقمة بمتناول اليد، لكن محّد يقول لنا الطريق للنزول منها 🌱
أولاد أختي، نور عيوني، في عمرك تقريباً أسماء. وكل ما أشوف حكمتك، وتعاملك مع مسائل الحياة وأسئلتها أحنّ عليك وأفخر فيك، وحبّك جاي من حبّهم، وحبّهم لو تعرفي أغلى من الغالي.
إعجابLiked by 1 person
كالعادة يا فاطمة، تدويناتك عصف ذهني أكثر منها تفريغ عادي. جعلتني أفكر بكل الحكماء الذين تركوا القمم للكاميرات وسلكوا ألف طريق وطريق وفي حوزتهم زاد الحكمة💘
إعجابLiked by 1 person